رغم إحساسنا بتطور وعي مجتمعاتنا وملامستنا لمظاهره إلا أن السرعة المذهلة للتطور التي ميزت حياتنا العصرية لم تسعفنا على إدراك قيمة كثير من الأشياء التي نتعاطى معها باستمرار أو فهم فن التخاطب بلغتها ! عندما قابلت السيدة سوزان باعقيل - أول مصورة فوتوغرافية سعودية محترفة سألتها عن سر شغفها بفن التصوير ، فأخبرتني أن لا أحد على هذه الأرض يستطيع إعادة الزمن إلى الوراء ، غير أن عدسة الكاميرا بوسعها إيقاف لحظة من الزمن وتوثيق كل تفاصيلها..! فهي ترى في الصورة شاهداً على تاريخ ، وموقف، وزمن بعينه ، وإحساس لحظة منه. كنت أشعر بما تعنيه ، في نفس الوقت الذي استرجع من ذاكرتي ملامح ثقافتنا المحلية التي خاضت جدلاً طويلاً حول شرعية الصورة من الناحية الدينية، وأفتت مساجدنا بتحريمها، حتى إننا اليوم لا نمتلك الكثير من الشواهد التي تتحدث عن بعض حقب تاريخنا ، في الوقت الذي يستعرض العالم يومياً لقطات منتقاة يستدل بها على كل ما يدعيه. أمس جذبتني صورة رائعة للأخ الرئيس تصدرت بها صحيفة «الجمهورية» إحدى صفحاتها وقد بدت لي أنها مفعمة بالعفوية وتفوح منها رائحة الحياة التي طرزها الأخ رئيس الجمهورية بابتسامة على شاطئ حضرموت، فراودني تساؤل : ياترى إلى أي مدى نحن في اليمن نهتم بتوثيق أحداثنا ومواقفنا السياسية بالصورة الفوتوغرافية، على أقل تقدير ؟! ربما يكون المتحف العسكري بصنعاء هو المؤسسة اليمنية الوحيدة التي تحتفظ بصور نادرة ، غير أن هذه الصور تتوقف عند ما قبل نصف قرن تقريباً رغم أن عمر حضارة اليمن تزيد عن عشرة آلاف سنة، وقد اكتشفنا في الأعوام الأخيرة أن الصور التي يحتفظ بها الغرب عن اليمن تفوق مئات أضعاف ما لدينا، ومازالت بحوزتهم، حيث إن ثقافة التصوير قبل نصف قرن في اليمن لم تكن معدومة بل مُحرمة من قبل الإمام يحيى الذي رفض التقاط صورة، ولا توجد له سوى صورة واحدة التقطتها الفرنسية «لوسيل فيفوييه» دون علمه ! وحتى مع عصر الانفتاح لم تشهد صنعاء سوى معرض أو معرضين فوتوغرافيين أقامهما مصورون على نفقاتهم الشخصية .. وعندما زارت المصورة السعودية سوزان باعقيل اليمن العام الماضي وكانت تعتزم عمل موسوعة فوتوغرافية حول الجمال الطبيعي لليمن لم تتجاوب معها الجهات المعنية ولم تقدم لها أية مساعدة فآثرت العودة، ولكن بعد أن أكملت تصوير مناطق حضرموت التي هي منها بالأصل ، فكانت أن خسرت اليمن فرصة ذهبية للترويج السياحي والتوثيق التاريخي، خاصة عندما يأتي من مصورة تعرفها مختلف عواصم أوروبا التي تستضيفها سنوياً. من المؤكد أن الصورة لم تدخل قاموسنا الثقافي وإلا لما كلفنا أنفسنا عناء الحديث الطويل عن تطورات مسيرة حياتنا اليمنية، لأن من يرى صورة عدن قبل الوحدة اليمنية سيكون الأقدر على الحديث عن حجم التطور الذي شهدته خلال سبعة عشر عاماً .. ومن يرى صورة لصنعاء يوم إعلان الوحدة سيذهله التطور الذي شهدته منذ ذلك الحين وحتى اليوم. أتمنى من الجهات المعنية فتح متحف للصورة يتم من خلاله دعوة الجميع إلى رفده بكل ما يحتفظون به من صور قديمة .. ليتأكد الجميع أن كل صورة هي كتاب تاريخ مستقل بذاته.