لم تلتفت الغالبية العظمى من اليمنيين إلى أن وزارة الداخلية في سبتمبر الماضي سجلت دخولاً تاريخياً مهيباً إلى عالم «الجرائم الإلكترونية» من خلال ضبطها خلية إرهابية تجسسية، كانت تتولى تهديد السفارات برسائل إلكترونية وتتخابر مع إسرائيل لتنسيق أنشطة إرهابية.. وبهذا تكون الداخلية قد ولجت عالم «الجرائم الإلكترونية» من أوسع أبوابه المتمثلة في «الإرهاب الإلكتروني». إن أهمية ذلك لا تكمن فقط في ضبط جريمة عصرية في حيثيات ظهور هذا النوع من الجرائم.. فالانترنت الذي دخل الخدمة على مستوى العالم سنة 1994م سرعان ما أصبح حلبة جرائم إلكترونية ينفذها بعض الذين غاصوا في أعماقه، وكشفوا أسراره ممن يطلق عليهم «الهاكرز» وبعد أقل من أربعة أعوام من ولادة هذا الاختراع المذهل.. بدأت أعمال اختراق المواقع الإلكترونية، والعبث بمحتوياتها، أو نفسها بالكامل، أو السطو على الموقع ومصادرته نهائياً. أما «الإرهاب الإلكتروني» فلم تكتشفه البشرية إلا في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م بعد أن كشفت التحقيقات الأمريكية أن تنظيم القاعدة استخدم الانترنت في تنسيق أنشطته بين خلاياه الموزعة على أرجاء مختلفة من العالم، وكانت تلك الحقيقة أن فتحت أعين التنظيمات المتطرفة على فرص الانترنت في بث أفكارها، والتواصل والتراسل، وحتى التدريب على الأعمال القتالية، وتعليم صناعة المتفجرات، وكشف المواقع المستهدفة عبر الخرائط التي تنشرها الحكومات أو المؤسسات على مواقعها الالكترونية. وبالقياس إلى عمر وحجم التجارب الأمنية التي بدأت بالتعاطي مع هذا الطور الخبيث من الجرائم الإلكترونية نجد أن نجاح الأجهزة الأمنية اليمنية في القبض على إحدى عصابات هذا النوع يعد إنجازاً متقدماً جداً، خاصة معع حقيقة أن اليمن ليس بلداً متقدماً صناعياً، وتقنياً، كما هو حال الولاياتالمتحدة أو الدول الأوروبية.. كما أن ميزانية مؤسسته الأمنية ليس فيها مخصص كبير للبحوث والدراسات بحكم شحة الموارد المالية لليمن كاملاً.. وبالتالي فإن القبض على عصابة إرهابية بهذه الخطورة هو بمثابة انتصار عظيم للإرادة الوطنية على ظروف الواقع، والامكانيات. لكن إنجازاً كهذا سيضاعف من حجم التحدي، حيث إن الجماعات الإرهابية عادة ما تطور أساليب عملها، والتكتيكات التي تتبعها بما يعني أننا سنكون في حلبة سباق من غير الممكن كسب جولاتها إذا لم تضاعف الامكانيات المادية المخصصة للبحوث والدراسات الأمنية، إلى جانب تنمية القدرات البشرية علمياً بدورات ومنح دراسية خارج اليمن ليس فقط لأجل التفوق على الخصوم، بل أيضاً لمواكبة التطور المذهل الذي يطرأ على عالم الشبكة العنكبوتية على مدار الساعات وليس الأيام، وذلك أيضاً لأجل الحفاظ على الموقع الذي أحرزته وزارة الداخلية في التعاطي مع الجرائم الإلكترونية. أعتقد أن قيادة وزارة الداخلية مدركة لطبيعة المهمة التي تقوم بها، حيث توارد إلى مسامعي أن الأخ الوزير اللواء مطهر رشاد المصري شكل فريقاً لإعداد مشروع قانون خاص بالجرائم الإلكترونية وهي التفاتة ذكية جداً على صعيد إيجاد البنية التشريعية التي تمنح المؤسسات الأمنية حماية قانونية فيما تتخذه من إجراءات بحق العابثين بأمن البلد عبر المنفذ الإلكتروني، إلى جانب تعريف المواطن بمدى مشروعية العمل الذي يقترفه، ولكي لا تقع اليمن بنفس مطب اليابان، حين قام فتى بعمر «16» عاماً بتدمير شبكات بنوك وشركات وألحق بها خسارة بملايين الدولارات، وعندما ضبطته الشرطة لم تستطع معاقبته لعدم وجود قانون ضد الجرائم الإلكترونية. ومن المهم هنا لفت الانتباه إلى الجنايات الأخلاقية للنشر الإلكتروني، حيث إن الدراسات الأمنية الغربية لا تتطرق لها وتعتبرها جزءاً من الحريات الشخصية، لكنها في مجتمعنا الإسلامي المحافظ قد تقود إلى جنح وجنايات كبيرة تصل إلى حد القتل عندما تمس الشرف والأعراض.