تعتبر الصناعات والمهن الحرفية في بلادنا الإمتداد الحضاري الحي للموروث الشعبي اليمني الذي لم تهزمه الحياة المعاصرة ولم يستسلم أمام الصناعات المتقدمة والمتطورة الحديثة.. بل ظل مواكباً للعصر، وقابلاً للتجدد مع الاحتفاظ بأصالته، ليس في جانب الصناعات الحرفية والمهن الشعبية فقط ولكن في مختلف مجالات الحياة الثقافية والاجتماعية والزراعية..إلخ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أصالة الشعب اليمني ومدى علاقته الوطيدة مع تلك الأصالة التي هي عنوان تاريخه وحضارته وإبداعاته الفكرية والانتاجية منذ القدم.. لذلك فإن اهتمامات القيادة السياسية والحكومة بهذا الجانب لم تأتِ من فراغ ولكنها الضرورة الحتمية التي فرضتها حيوية الموروث وامتداده وتجدده واتصاله وتواصله مع الناس وحياتهم في هذه البلدة الطيبة. «اليمن السعيد» وبالتالي فإن التوجه الحكومي نحو دعم الموروث الشعبي في مختلف أشكاله وألوانه. ومنها «الصناعات الحرفية والمهن الشعبية» كان جاداً جداً سواءً من خلال ماتقوم به الحكومة رسمياً أو من خلال ما تساعد على القيام به عن طريق منظمات المجتمع المدني وتشجع عليه.. وليس أدل على هذا الاهتمام ومصداقيته من ذلك الحيز الذي شغلته الصناعات الحرفية وضرورة دعمها في البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ رئيس الجمهورية المشير علي عبدالله صالح «حفظه الله» وليس الأخذ لهذا الجانب بعين الاعتبار من قبل الحكومة والمجتمع المدني إلا تفعيل لما جاء في البرنامج الانتخابي المشار إليه ومن خلال ماسبق فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل كل مايتم تقديمه في دعم جوانب الموروث الشعبي في بلادنا كافٍ للحفاظ عليها وضمانة استمراريتها حية متجددة؟ أعتقد أنه لايكفي لأن حجم الدعم ضئيل جداً مقارنة بالكم الهائل من جوانب موروثنا في العمران والآثار والثقافة والصناعات والحرف.. إلخ ولكن الأمل في مضاعفة الجهود الداعمة يظل كبيراً مادامت الحكومة تضع في حسبانها الاهتمام بالتراث اليمني والاعتراف بكونه الوجه المعاصر لأصالتنا وحضارتنا وتاريخنا العريق، فقط يتطلب الأمر مجتمعاً مهتماً هو الآخر بموروثه يعمل أفراده كلٍ من موقعه على التواصل والاتصال بالجهات ذات الاختصاص كوزارة الثقافة، والسياحة بالدرجة الأولى ومن ثم السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني.. و...إلخ ومن هذا الكم الهائل من موروثنا الشعبي الذي يجب علينا الاهتمام به ودعمه والمساعدة في خلق فرص متعددة لاستمراريته هو «الصناعات والحرف» ذات الطابع الشعبي المتوارث في مجتمعنا اليمني جيلاً بعد جيل بكل سماته وخصوصياته في كل مناطق الجمهورية التي لاتخلو من موروث وآثار يمانية أصيلة وصناعات ومهن حرفية مازالت قائمة حتى يومنا هذا، ومازال أبناء اليمن المبدعين في مختلف ألوان الصناعات اليدوية والحرف موجودين لأن سر الإبداع متوارث ولم ينقرض.. ولكن ماأصاب هذه الكنوز التراثية المبدعة هو عدم توافر القدرات المادية التي تقف عائقاً كبيراً أمام استمرارية الانتاج. فمصانع الياجور والأواني المنزلية مثلاً توقف الكثير منها في بلادنا للسبب المادي نفسه ومثل ذلك صناعات المواد الخزفية ومصانع الحلويات والحياكة والتطريز.. إلخ وبالمثل تماماً في الجانب العمراني.. أما الآثار فإنها تمثل الجانب الأهم في الاحتياج إلى مضاعفة الاهتمام بها فلا تكاد مدينة من مدن اليمن تخلو من منشأة أثرية مطمورة أو آيلة للاندثار وتنتظر وقفة جادة في إعادتها إلى صورتها الموروثة.. وفي هذا الجانب نلمس كثيراً جهود ودعم الحكومة واهتمامها بترميم الجوامع القديمة والقلاع..إلخ. أعود بالتركيز في حديثي عن الصناعات الشعبية والحرفية في معظم مناطق اليمن التي تحتاج إلى جملة من اهتمامات السلطات المحلية والكثير من الجهات الرسمية الأخرى ذات الاختصاص وإلى حملة من الدعم والاهتمام من قبل منظمات المجتمع اليمني المدني والجهات الدولية المانحة التي يحتل هذا الجانب جزءاً من أنشطتها.. وقد لفت نظري إلى الكتابة عن هذا الموضوع الذي كان موجوداً في مفكرتي ولكني لم أكتب عنه لأسباب كثيرة.. لفت نظري وشجعني على ذلك الأخ العزيز الشيخ فؤاد عبده أحمد أبو هادي أحد المسئولين البارزين في جمعية الحكمة اليمانية الخيرية في اليمن والتي اتخذت من مدينة تعز الحالمة المقر الرئيسي لها.. وذلك في لقاء قريب به بعد عودته من حملة الإغاثة التي قامت بها الجمعية لأبناء حضرموت والمهرة، إذ أنه وبعد أن شاهد أضرار السيول والأمطار الغزيرة في تلك المحافظات ورأى الكثير من ملامح الموروث الشعبي في جانب الآثار العمرانية منها قد أصابته النكبة.. أعتقد أنه عاد وفي رأسه فكرة موروثنا الشعبي ليس في الجانب العمراني فحسب بل وفي الصناعات الشعبية أيضاً بمختلف أشكالها وطرح علي فكرة تبدأ أولاً بتكريم المبدعين من ذوي المهارات والقدرات في تلك الصناعات والحرف ممن عملوا على الحفاظ على طابع تراثنا الشعبي والحضاري وتواترت إبداعاتهم جيلاً بعد جيل ولم تؤثر فيهم الحياة المعاصرة بل عملت على رفد مهاراتهم واكسبتهم روح القدرة على التجدد وبما لايؤثر على أصالة الموروث... وأظن أن جمعية الحكمة الخيرية من خلال الشيخ فؤاد أبو هادي تهدف إلى أن الحافز لدى هذه الفئة سوف يؤدي إلى خلق نوع من الإرادة في إعادة الحياة إلى تلك الصناعات إن توفر الدعم المطلوب وأظن أنه متى ما وجد المهاري القادر على الانتاج فإن بقية المعطيات ستعمل الكثير من الجهات الرسمية والشعبية والمجتمع المدني على الدفع بها إلى حيز الوجود. وكخطوة أولى على درب تفعيل الفكرة المطروحة وصولاً إلى الهدف قمت باسم مكتب الثقافة في حيس بالتواصل مع جمعية الحكمة من خلال الشيخ فؤاد أبوهادي وأعددت له مشروع برنامج التكريم على مستوى المديرية والقرى الريفية التابعة لها كتجربة نأمل أن تتوسع لتشمل الكثير من المناطق اليمنية. ولقد زخرت القائمة بأسماء كثيرة في تلك الصناعات والحرف والبناء والنقش والحياكة والخياطة شملت على الأخص «مصانع الياجور والأواني الخزفية» وصناعة الحلوى والأغذية المحلية والمشروبات وعملية البناء الشعبي القديم ...إلخ» وفي الطريق سيتحدد موعد الفعالية وسيتم التكريم بالمستوى الذي يليق بهذه الكوكبة من مبدعي التراث الشعبي عامة لتكون الخطوة الأخرى دعوة واضحة للجهات الرسمية ذات الاختصاص لتفعيل واجبها الوطني تجاه موروثنا الشعبي كونه ملمحاً من أهم ملامح التنمية وعاملاً مهماً من عوامل القضاء على الفقر، إذ أن هذه الصناعات سوف تفتح آفاقاً تنموية جديدة وسوف تخلق فرص عمل كثيرة وسوف تطبع على وجه واقعنا المعاصر صورة أصالة هذا الشعب وهذا الوطن السعيد وسوف تفتح لمنظمات المجتمع المدني حراكاً واسعاً داخل المجتمع.. فلتكن خطوة التكريم البادرة الطيبة المقدمة من جمعية الحكمة فكرة يأخذ بها كل الداعمين لهذا المجال جنباً إلى جنب مع الجهات الرسمية ولتتكاتف الجهود لتشجيع صناعاتنا المحلية الموروثة والمهن الحرفية حفاظاً على تراثنا العريق ودعماً جاداً للنهوض التنموي الحثيث والسير على درب تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر.. أملنا في أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار ومزيداً من التقدير لكل من يزرع الخير ليخدم المصلحة العليا لهذا الشعب والوطن الأصيل..