اختارت بلادنا الديمقراطية والسير فيها رغم وعورة الطريق التي تسلكها بسبب جهل الكثير منا بالثوابت الوطنية وكيفية ممارسة العمل الديمقراطي، فكانت الديمقراطية عند هؤلاء عبارة عن ممارسة خطايا وارتكاب جرائم تحت مسمى الديمقراطية والحرية التي منحتها لهم الوحدة اليمنية. ولكن القيادة السياسية لم تتضجر من هذا أو ذاك، بل عملت على تطوير العمل الديمقراطي من خلال الدستور والقوانين النافذة ودخلت ملعب الديمقراطية، ولكن ثقة القيادة السياسية بأبناء اليمن الأوفياء المستنيرين بالعلم والمعرفة والمتسلحين بسلاح الإسلام والوطنية الذين يبذلون أرواحهم في سبيل الوطن اليمني دون أن ينتظروا المكافأة تأتيهم كان الإصرار الذي تمسكت به القيادة السياسية وذهبت إلى أبعد مما كنا نتصوره فأرست العمل الديمقراطي في كل مفاصل الدولة وجعلت الحياة الاجتماعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالديمقراطية وخاضت اليمن التجربة الانتخابية لأول مرة فنجحت وكررتها مرات عديدة ، حتى أيقن الشعب اليمني انه للديمقراطية خلق ولها نشأ وبها يعيش وعليها يسير، وهكذا كانت الديمقراطية المتنفس الوحيد للشعب اليمني بعد أن تحققت وحدته العظيمة يوم 22 مايو1990م والتي ارتبط اسمها بالديمقراطية والتعددية السياسية التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام كل القوى الوطنية وأعطتها حرية الاختيار بين الانضمام إلى قوى سياسية موجودة على الساحة اليمنية ولها تجربة وخبرة كبيرة في العمل الحزبي وبين أن تؤسس لها منظماتها وأحزابها الخاصة التي تؤمن بها على شرط عدم التفريط بالثوابت الوطنية اليمنية وهكذا تأسست الأحزاب، وكثرت في الساحة اليمنية وكان هذا الفعل مؤثراً على العمل الوطني التنموي الذي يتمناه كل يمني سواء كان داخل الوطن أم خارجه، ولكن تلك الأحزاب وتلك القوى التي تعودت على السحت وعلى الابتزاز لم يعجبها منطق الديمقراطية الحديثة بعد أن تأكد لها بما لايدع مجالاً للشك أنها خاسرة لا محالة إذا ركبت رأسها وبقت في طريق الفشل وهي تعلم أنها لا تملك رصيداً شعبياً. فكان لها الخيار مرة ثانية في ظل حلم وصبر القائد الزعيم رمز الديمقراطية الأخ الرئيس علي عبد الله صالح فشكلت ما يسمى بأحزاب اللقاء المشترك ، وقلنا نبارك هذا التجمع الوطني الجديد، وكان أملنا بهذا التجمع كبيراً على المشاركة في إنقاذ الوطن من المهالك المتوقعة إذا استمررنا في تناحرنا وانحرافنا عن ثوابتنا الوطنية وأهداف ثورتنا 26سبتمبر و14 اكتو بر ومبادئ وحدتنا الوطنية اليمنية الكبرى التي رضعناها في صغرنا وتشربناها في شبابنا . ولكن، وما أدراك ما لكن.. لم يستمر حلمنا ولم تحقق أحزاب اللقاء المشترك أملنا بل زرعت في نفوسنا الخوف واليأس والتشاؤم من المستقبل ، فأصبحنا نحاكي أنفسنا هل هذه الأحزاب هي تلك الأحزاب الوطنية التي تغنينا بها في السبعينيات ومطلع الثمانينيات ، وهل فعلاً نحن ديمقراطيون وطلائيعيون . كلا وألف كلا أن تكون هي نفسها .. فأين هي الكوادر التي آمنت بالوحدة اليمنية وتغذت على المبادئ الوطنية الثورية.. أين أولئك الذين أشبعونا شعارات وطنية حتى إن الكثير من أبناء اليمن تسمى بمسميات ثورية وطنية ديمقراطية فهل نترحم على من زرع في أنفسنا تلك المبادئ التي لم نستطع التخلص منها أم نلعنهم لأنهم خدعونا في صغرنا وغدروا بنا في كبرنا؟ الأبناء اليوم خرجوا على مبادئ الآباء وانجرفوا إلى صفوف الأعداء الذين كنا جميعنا نتشوق إلى مقارعتهم ودحر شرورهم عن ثورتنا ووحدتنا اليمنية، فكانا شعارنا لنناضل من أجل تحقيق الوحدة اليمنية.. فأين هم اليوم من تلك الشعارات ولماذا يستبدلون الديمقراطية بالغوغائية ولماذا الهروب من ساحة الديمقراطية إلى الساحة الانفرادية والتخبط بين جدرانها.. فلماذا نفرط بالعقد الذي تمسكنا به طوال مراحلنا الحياتية ؟ الديمقراطية هي خيارنا وصناديق الانتخابات هي محاكمنا السياسية.. فلماذا تهرب تلك الأحزاب من محاكم الصناديق الانتخابية التي سترى من خلالها حكم الشعب الحقيقي الذي سوف يقول كلمته يوم الاقتراع فلماذا الهروب إلى محاكم الفوضى والصعلكة ؟.. لا ندري هل هذه الأحزاب تثق بناخبيها أم أنها تتوجس منهم خيفة ، ولهذا اختارت الهروب إلى الفوضى وتعطيل الخيار الديمقراطي الذي ارتضيناه جميعاً وكانت وحدتنا اليمنية أساس هذه الديمقراطية الفريدة في الوطن العربي التي لم يجرؤ أي قطر عربي على خوض تجربتها. فهل تريد أحزابنا وأد تجربتنا الديمقراطية في المهد وهل نست أن هذا العمل الديمقراطي لم يعد بالمهد فقد شب وبلغ سن الرشد ببلوغه سن الثامنة عشرة.. إنهم يعيشون بعيدين عن الوطن وعن هموم المواطن فقد انشأوا لهم بروجاً مشيدة بعيدة عن صوت الشعب المؤذي لآذانهم حسب اعتقادهم .. إذاً إذا كانوا غير قادرين على تحمل الخيار الديمقراطي والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وإذا لم يرضوا بحكم الشعب بحق الجميع فما عليهم إلا الانتظار في طابور الانتحار ولو أن الانتحار قد حرمته شريعتنا السمحة ولكن ماذا عسى أن نقول؟ أما التخريب وتحريض البسطاء على الاعتداء ومهاجمة العملية الديمقراطية من خلال سعيهم الممقوت لتعطيل العملية الانتخابية وإجبار القيادة السياسية على اتخاذ خيار بعيد عن الديمقراطية فهذا بعيد عنهم ونقول لهم: انتم واهمون فلن يتحقق لكم ما تسعون إلى تحقيقه، فالانتخابات سوف تجري في موعدها المحدد ولو كره المرجفون ، وكيدكم سوف يرتد إلى نحوركم، فالقيادة السياسية قد اختارت الديمقراطية يوم 22 مايو1990م والعودة عن هذا الخيار هي عملية بعيدة المنال فحمايتها لا تقع على القيادة السياسية لوحدها بل على فئات الشعب اليمني جميعاً.