كل عام وأنتم بخير، واليمن ترفل بالأمن والسلام والمحبة والإخاء، والنفوس يغمرها الإيمان وتظللها الرحمة.. كل عام ويمننا الحبيب شامخ، عزيز، موحد، يسمو بأبنائه إلى نواصي المجد. مع ساعة الصباح الأولى من يوم العيد ستنتصب النفوس إجلالاً للسلام الذي يتوهج في وجوه صغارنا، وينعش فيهم رغبة الحياة لعمر مديد.. فلا شيء في الدنيا أعظم من السلام، لذلك كان هناك ملايين البشر يطوفون البيت العتيق، ويهتفون بصوت واحد «لبيك اللهم لبيك» ينشدون بها من رب العرش العظيم سلام نفوسهم، وأهليهم، وشعوبهم،، فهو وحده جل وعلا من يهب باسمه السلام «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» ! ولا شك أن السلام نوعين، سلام الروح الذي لا يتحقق بغير العبادة وطاعة الله ورضا الضمير.. أما الثاني فهو سلام الجوارح أي منع اليد والعين والأذن والحواس الأخرى من الاتيان بأذى، أو ضرر يطول الذات أو الآخرين. ربما أعظم الأذى هو ما يجنيه اللسان، ليس فقط من غيبته ونميمته وشتم وكذب، وإنما أيضاً ما يردد من قول، وفكر قد يشعل به فتنة تحرق بلداً كاملاً، وحينها لن يجدي حتى قطع اللسان نفعاً بعد ژأن يكون الاثر قد طال الصغير والكبير.. لذلك كان آباؤنا من حين لآخر يذكروننا بأن «لسانك حصانك إن صنته صانك وأن هنته هانك» أمامنا اليوم فرصة سانحة لإدراك قيمة المحبة والسلام في المجتمع.. فلننظر إلى وجوه أطفالنا وهي مفعمة بالسعادة، لاهية ببراءة، فإذا بقلوبنا ترف لها، وينتابنا إحساس لا يقدر بثمن، ولا يوازيه شيء في الدنيا.. إنه احساس الامتنان للخالق عز وجل الذي أغدق على صغارنا وعوائلنا فضائل رحمته ونعمه، التي لا ينبغي لأحد التفريط بها، إذ بدونها تتعادل الحياة مع الموت ! ولا شك أن السلام الذي ننشده جميعاً ليس صعب المنال، لأنه كلمة طيبة نقولها للآخرين، وعمل صالح نمارسه بقناعة نفس ورضا ضمير.. إنه الصدق، والاخلاص، والأمانة التي بوسع كل منا اجادتها باتقان لو رغب بذلك. ومثلما هناك دعاة سلام، هناك أيضاً دعاة فتن وهؤلاء يمثلون قوى الشر التي قضى الله ان نبقى في صراع معها حتى تقوم الساعة فيجازي كلاً منا بما كسبت يداه.. وهي أي قوى الشر قد تنغمس بأعمالها وتندفع بفتنها بقوة بعد ان يغشي الشيطان بصائرها، لكنها ما تلبث ان ترى بأم أعينها فداحة ما صنعت.. فكيف تسول نفوس البعض أن تحرم هؤلاء الصغار الذين يتقافزون كالفراشات أمامنا نعمة الفرحة وتستبدلها بالفزع.. كيف تتقبل عيونها منظر الدماء أو الحرائق ؟ كيف تنعم بالسكون والأخ ينهش بلحم أخيه ؟ كيف تنام الليل والرب غاضب عليها ويتوعدها بعذاب شديد ؟ فلننظر إلى صغارنا ولو مرة واحدة قبل ان نروج للفتنة.. ففي وجوه أطفالنا أكبر دروس السلام، والحب، والبراءة.. اللهم لا تحرمنا من نعمة السلام وأنت السلام !