يغادر الرئيس الامريكي جورج بوش حديقة العالم متلبساً أزمات بحجم الأرض،ولبئس الأجواء التي اختار الرحيل فيها وهو مغترف من بحر التهّور مالم يغترفه «نيرون»،وهي رحلة الختام في عقوق الانسانية ما كان لزعيم عالمي أن يرضى لنفسه بها حتى وإن كان قد تشبّع بأطماع الإنس والجن كلهم وتشرّب من الحقد والعداء لبني البشر مايغشّي عينه عن الاستفادة من حيل الدهاة ومداراة الأذكياء،لاسيما وبارجاته تمخر عباب الخليج العربي من الساحل إلى الساحل: فدارهم مادمت في دارهم وأرضهم مادمت في أرضهم هكذا هو التاريخ..إنني اتخيله اليوم وأرسم له صورة ناقد حصيف وكاتب موضوعي يأبى ويأنف أن يسجّل في كتابه شيئاً لايستحق الذكر،أو أن يوّرط قلمه بتدوين فترة سيئة حكم فيها أمريكا الدولة العظمى متسرع أضناه اختلاق الوعود الوهمية حتى أخرجه من حديقته المفضلة إلى دائرة الكراهية والإدانة فها هو اليوم يصدر حكمه عليه بالرحيل مع تركة تاريخية «فريدة» لأنه منحه الحظ فجانب طريق العظماء،واختار الخلود في صفحة مستقلة عنوانها« شخصيات عالمية نكبتهم غرائز استضعاف الشعوب» وأحب الابن «بوش» أن يتصدر القائمة. كان أحرى له أن يخشى عصا الدهر الغليظة،وأن يستبقي ولو جزءاً قليلاً من صدق الكلام ورزانة عقول الزعماء. ..كان أحرى له أن لايمثّل بجسد القتيل بعد قتله،وأن يكفّ عن إيذاء الشرف والمروءة بعد تطبيق أبشع نظريات التعذيب في سجونه التي ضادّ الله بها في حكمه فمنحها السلطة المطلقة التي تعصمها من أي قضاء أو مساءلة.. كان عليه أن يحارب الإرهاب لا أن يمزق أجساد الشعوب ثم يبتسم للبقية الباقية بأن ترقص على الأشلاء طرباً في توديعه إلى مصيره المحتوم .. إلى حيث ألقت رحالها أم قشعم. أشياء كثيرة كان على بوش أن يأخذ بها لكي يصل إلى عتبة النهاية وملفه خالٍ من مضحكات الجلساء ونوادر القصاصين لكنه سخر من سطوة التاريخ وغدر الزمان فاقتحم النيران وخضّع رأسه بالمطارق معتمداً على «صاحب القبة» فغدر به،وهو اليوم يحمل مجبراً قبلة الوداع بطريقة تنوء عن حملها جبال الهملايا .. ويالسوء المنقلب..!! وشيء آخر،فإن ملامح النيرونية تبدو جلّية في عارض السيد «بوش» وربما هي نزعة عِرقْ لا دخل له بها حتى وصلت إليه،فعن طريقه اليوم يتسلّل إلى جسد الدولة الأمريكية وتنيّنها الاقتصادي المخيف هذا المرض الخبيث «الأزمة المالية» الذي تبدو مؤشراته أن لافكاك منه حتى تصبح أمريكا قاعاً صفصفاً لاترى فيه عوجاً ولا أمتا.. لا سلطاناً ولاهيبة.. كان «بوش» نتاج هفوة كبيرة في تاريخ أمريكا كله.. ثم ماذا أيها الشعب الأمريكي الصديق؟! نار الأفغان ماهدأ لها سعير وكيف له أن يهدأ،وحطبه أخضر ويابس من أجساد الجيوش الأمريكية وتعزيزاتها المتوالية وعرباتهم وأسلحتهم.. طيلة عقد من الزمان وكل ذلك لايلبث أن يقع في جوف عنقاء القوقاز «طالبان» التي كلما أدركها العجز والهرم دبّ إليها الشباب من جديد. وفي الطرف الآخر تجد العراق وقد وقع في شراك أطرافها المترامية جيش أمريكي آخر لم يضع منذ مايربو على نصف عقد من الزمان عصا الترحال ليصبح الكل مابين خائف يقتله الخوف ومختل ما استطاع أن يتصور مايحدث.. كل ذلك نتيجة الغلطة الكبيرة التي أعادت إلى الشعب الأمريكي ذكرى بطش الثائر الصومالي وحروب فيتنام. أعود إلى السيد «بوش» وما علينا من مساميره ونعش أمريكا فأقول: إن «بوش» وهو يغادر ذلك البيت الأبيض لكم يحضر لشعوب قهرها أن تزف إليه أغلى مشاعر الكراهية وأقسى عبارات الحقد،ودام في قعر التاريخ أنمودجاً صادقاً لأكبر شخصية أقلقت مشاعر الإنسانية.