بعد أن تعذر على والد الفتاة «بهية» أن يجد عملاً في المدينة لرجل مثله لايحمل أي مؤهل علمي أو تقني أو حرفي كان لابد له من العودة إلى القرية يواجه الفقر والفراغ والبطالة.. أما بهية تلك الفتاة الصغيرة الذكية فقد كفلها خالها «مسعد» هي وأمها وكانت سعيدة غاية السعادة أن تعيش هي وأمها في كنف خالها الذي أضافهما إلى أسرته يقتسمان معاً حلاوة العيش ومره.. تعيش الأسرة مستورة الحال من دخل خال الفتاة وزوجه فكلاهما يعمل في وظيفة حكومية راضين بما قسمه الله لهما من رزق حلال لايشوبه أي قدر من المال الحرام. كانت بهية إلى أيام قلائل تتمتع بكامل لياقتها الجسدية والنفسية، وفجأة تتعرض لارتفاع درجة الحرارة وبعض الآلام في أماكن متفرقة من الجسم. وبعد صبر على المرض لم يدم طويلاً أجريت لها الفحوصات الطبية فكانت المفاجأة مذهلة ومدوية وصاعقة على خال الفتاة فهو «سرطان الدم»..البعبع القديم الجديد والغول الذي لايرحم ضحاياه..ماذا عساه يفعل؟ كيف ينقل الخبر إلى الفتاة وإلى أمها؟ إنه يعلم أن أخته والدة الفتاة قد لاتتمالك نفسها من الرعب والفزع من مجرد ذكر اسم المرض فيتوقف قلبها..وقد يغشى عليها فلا تفيق من جديد وماذا يقول للفتاة الصغيرة الحالمة والطموحة، والتي مافتئت تحدث خالها بأنها ستبذل قصارى جهدها للحصول على معدل مرتفع في الثانوية العامة يؤهلها دخول كلية الطب لتمضي حياتها في خدمة المرضى من الفقراء والمحتاجين وتشاطر خالها في تحمل مسئولية الانفاق على الأسرة تعويضاً لما قدمه لها من خير ومعروف لها ولأمها؟! ماذا عساه يقول لفتاة مرهفة الحس شديدة الطموح تستقبل الحياة ببراءة وعفوية وحسن ظن وجدها تحدق ببراءة في عينيه تحثه أن يطمئنها ويقول شيئاً عن مرضها لعلها تجد مايسكن الألم إذا عرفت طبيعة المرض..قال لها وقلبه يتقطع من أجلها لا شيء يابنتي مجرد التهاب في الدم، قال لها ذلك وهي لاتعلم أنه منذ أن عرف الحقيقة لم يذق طعم الراحة ولاطعم النوم حصل على مبلغ مائة ألف ريال ليشترى الحقن المقررة لها وهي باهظة التكاليف، وعند أول حقنة تأخذها الفتاة هبطت مناعتها إلى مستوى يثير الخوف والقلق عند من يعالجونها أما الفتاة نفسها فقد ذهبت تنظر في عيون أمها وخالها لعلها تحظى بقراءة ماخفي عليها من أمر نفسها..أيّ التهاب هذا الذي يحتاج إلى هذا النوع من الحقن العملاقة التي يخال لها أنها قد حشيت بالسم الزعاف الذي ما إن وصل تأثيره الأنسجة ولامس خلايا الجسم حتى وجدت نفسها لم تعد بهية التي تعرفها..بل هي الآن إنسانة مختلفة تماماً: دائمة الحزن، شديدة التوتر، بادية القلق، متجهمة الملامح هذا كله وهي لاتعلم أنها تعاني من داء سرطان الدم فماذا لو علمت؟ والآن يوشك العلاج على قبحه أن ينتهى ومع ذلك لم يسجل أي تقدم في مسار الشفاء. نصح الأطباء أهل الفتاة «خالها» أن ينقلها للمعالجة خارج اليمن..ولكن من أين له أن يستطيع توفير قيمة التذاكر والإقامة والعلاج؟؟ لكن المجتمع يستطيع ذلك..فأهل الخير في بلادنا ينفقون الكثير من الأموال ابتغاء مرضات الله ولن يعجزهم أن يتكفلوا بإنقاذ حياة بهية من حالة البؤس والحزن والكآبة التي صارت مخيمة في الدار حيث تقيم بهية مع خالها الرجل النبيل الذي لم تقعد به همته دون أن يلتمس الشفاء للفتاة ولو كان ذلك على حساب ضروريات الحياة، فقد وجدناه يضحى بوسائل لاغنى للإنسان عنها، فهل نجد من أهل الخير من يشارك في إنقاذ حياة بهية؟