عندما يجد الإنسان نفسه بين موتين أو أكثر ثم لاتكون له الخيرة من أمره ليفعل شيئاً في مواجهة هذه الخيارات التي لاتختلف بشيء عن بعضها وإن كان بالإمكان الاختيار.. الموت لايختلف عن بعضه في النتيجة لكنه يختلف فقط في وصف الإنسان ذاته عندما يموت، هل مات بكرامته وعزته؟ وفي سبيل ماذا يموت؟ فقط هنا يختلف الناس في موتهم مثلما هو الأمر في حياتهم، ولذا عندما يكون الموت لابد منه وهو كذلك، فعلى الإنسان أن يحسن اختيار حاله في مواجهة الموت وقد قيل بأن «طعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم».. عندما يجد الإنسان نفسه أمام خيارات كلها سواء وهي الموت ثم لايجد من يقف إلى جانبه أو يعينه على الموت بكرامة على أقل تقدير.. عندما تصبح كل الشعارات وكل المواقف وكل المبادئ لا وجود لها ويسيطر الصمت ويتضح عجز كل من حولك ثم لاترى ولاتسمع شيئاً مما كنت تظن ومما ينبغي أن ترى وتسمع ومما يقال في أوقات الرخاء والأمان عن التضامن وعن واحدية القضية ثم يتلاشى كل هذا في لحظة وتتعطل كل المواقف والقيم وتصبح وحدك أمام خيارات الموت ولاشيء غيرها.. ماذا يفعل الإنسان في وضع كهذا؟ الجواب عليه أن يختار الموت بكرامة وفي سبيل قضيته التي يدافع عنها وعليه أن يفرض طريقة موته على كل الخيارات الأخرى.. هكذا هو حال أهل غزة وهم أمام خيار الموت جوعاً ومرضاً في ظل الحصار أو الموت بالصواريخ والقنابل ولاخيار سواهما ولا من يتحرك لتغيير هذه المعادلة التي فرضها العدو وارتضى بها العالم والعرب في المقدمة وسقطت كل الأقنعة وذهبت كل القيم الدينية والاخلاقية والإنسانية أدراج الرياح.. وعلينا وعلى العالم كله أن يصدق ويقتنع بأن إبادة سكان غزة هو من أجل عالم حر، هكذا يقول زعماء الاحتلال ويطلبون من وسائل الإعلام أن لاتظهر صور الأطفال الذين تحوِّلهم آلة الحرب الاسرائيلية إلى أشلاء متناثرة وعلى العرب والمسلمين تحديداً أن يصدقوا هذا القول.. وعلى من لايصدق هذا الكلام أن يصدق حديثاً عربياً أن عدم فتح معبر رفح هو من أجل الوحدة الفلسطينية وحتى لاتنجح اسرائيل في فصل القطاع عن الضفة ويجب أن لاتتساءلوا عن مصير سكان قطاع غزة حيث لاطعام ولا دواء ولاكهرباء ولاخدمات، فالمهم هو بقاء وحدة القضية وعدم الوقوع في الفخ الإسرائيلي الذي يسعى لفصل غزة عن الضفة ومن أجل ذلك لا علينا إن مات كل سكان القطاع جوعاً أو بقذائف الإسرائيليين ومع أن الكلام الأول سيئ فإن الكلام الثاني أسوأ منه، لأن الطرح من هذا النوع فيه استخفاف بعقل الإنسان العربي وفيه مغالطة لايمكن تصديقها تحت كل الذرائع والمبررات والأسباب ولايمكن أن نبرر الحصار تفادياً لنتائج لم تزل في علم الغيب ووهمية إلى حد كبير ولايُرتجى منها سوى الوفاء بالتزامات القائل مع الحكومة الإسرائيلية. هذا الوضع القائم في غزة بقوة الصواريخ والدبابات وبقوة صمت العرب والمسلمين والعالم الحر الذي تتحدث عنه «ليفني» وترجو من العرب والمسلمين أن يتفهموا دوافع قتل سكان غزة من أجل هذا العالم الحر،هذا الوضع بالخطأ الفادح الذي بدأ به وبالكارثة المروعة التي سيقود إليها سوف يفتح أبواب جهنم في المنطقة إن عاجلاً أو آجلاً وسوف يشرع لماهو أسوأ من التطرف والارهاب القائم حالياً، وعلى العالم أن يدرك جيداً من الآن أن مايجري في غزة ليس هيناً وأن نتائج مدمرة سوف تتمخض عن كل هذا الظلم الذي لايقيم وزناً للإنسانية ويستهين بالدماء والأشلاء ومعاناة الناس التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ولسوف يدركون ذلك.