إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، هكذا قيل فكان القول دليل أهمية الصمت قياساً بالكلام، غير ان علاقة العرب والأعراب بهذه الحكمة الوصية قد سلكت مساراً فريداً مغايراً لمقصود الحكمة التي سمعوها فحفظوها ووعوها والتزموها أدباً للمصالح، وإن كانوا أكثر الاقوام ثرثرة واحاديث بلا جدوى أو فائدة واقلهم أفعالاً، يتحدثون حين يكون الكلام بلا ثمن ويصمتون حين يكون الكلام عبادة أغلى من كل النفائس وانعدمت المواقف الايجابية فصاروا مسخاً بلا إرادة. ومع مرور الأيام وتوالي العقود والقرون توطدت علاقة العرب بالصمت حين يكون الكلام والمواقف من ذهب ومن أغلى النفائس وبالكلام حين يكون الصمت منجماً للجواهر كلها. اليوم أصبح الكلام أغلى من كل ماسواه والمواقف أغلى من الجميع ولو جمع الكلام بالمواقف فليس هناك من شيء أغلى، هكذا أصبح الكلام حين سكت القوم وماينبغي لهم السكوت حين أطبق الصمت وخيم وكأنه تجارة النفائس عند الصامتين فلا الدموع ولا الدماء ولا الدمار ولا الفناء يحرك ساكناً عند هؤلاء القوم كأنهم لا يرون ولايسمعون!! فقط حين تهتز المصالح والمصالح الشخصية جداً تحدق عيونهم وتنصت اسماعهم فتنطق الألسن والهراوات والبنادق فلا يسكتها شيء إلا ثبات المصالح بلا اهتزاز وصمت الاحاديث عنها سراً وعلانية. الاعراب منشغلون بتوطيد علاقتهم بالبيت الأسود منشغلون بالانتخابات الامريكية من سيذهب؟ ومن سيأتي؟ ومن سيأتي لن يكون أفضل فلماذا هم منشغلون؟ مالم يدركه العرب حتى اللحظة أن تنديد الحكومات الغربية إن نددت بما يجرى في فلسطين هو صمت يرتدي ثوب الكلام، هو صمت عن الافعال الوحشية التي تطال الابرياء في غزة، والضفة، وفي بيت حانون ومدن الحزن اليومي في فلسطين. لن يسمعك العرب أيها الباكي في فلسطين.. ايتها الباكية الثكلى والاصوات تصل إلى مراقدهم أصوات احزانكم وصرخات الألم والاستغاثة تصل إلى غرف نومهم تلاحقهم في دهاليز القصور ومنتجعات الشواطئ لكنهم لايسمعون ولايريدون ذلك، لأن مسامعهم امريكية وهواهم غير هواكم. الدماء التي تنزف من جروحكم وصلت إلى جدران تلك الغرف المغلقة والاشلاء تناثرت في جنبات الأسرة وفي كل صالات الاستقبال والضيافة لكنهم لايشاهدونها لانهم يرتدون نظارات امريكية الصنع. إنهم مواليد برج الصمت والتواطؤ والخذلان، نهلوا من حكمة «السكوت من ذهب» فبئس السكوت وبئس الذهب، وبئس من يفهم السكوت على قتل الاطفال والنساء والشيوخ وكل الابرياء في فلسطين وفي سواها على أنه من ذهب، وبئس من يقول ومن يعتقد أنه لايمكن فعل شيء تجاه مايجرى وماجرى وماسوف يجرى، وبئس من سوف يتكلم بعد أن تحقق الحرب الاسرائيلية «امطارها وغيومها» أهدافها المتمثلة بقتل أكبر عدد من الفلسطينيين ومن المسلمين وقتها سوف يكون الكلام من قبح واستخفاف بعقول الناس وبدماء الشهداء..!!