في ثقافات العالم أجمع تقريباً،، يجري امتداح الصَّمت.. يعدُّونه سمة إيجابٍ ورياضة روحٍ ودليل حكمة.. في الأمثال العربية القديمة أُثني على الصَّمت والسكوت كثيراً؛ فقيل: إذا كان الكلام من فضةٍ، فالسُكوت من ذهب، وروى العرب عن كسرى قوله: لم أندم على السُكوت قط ولقد ندمتُ على الكلام مراراً؛؛ وهكذا تناول الشُعراء خصلة (الصمت) الحميدة لدى مجتمعاتهم بأبيات وقصائد عُدَّتْ دائماً من روائع ما قالته العرب(!!).. يقول أبونواس مثلاً الذي طالما حذر من شعره فقهاء المسلمين، إلا ما كان في نظرهم خيراً، كهذه الأبيات،، يقول: خلِّ جنبيك لرامٍ وامضِ عنه بسلامِ مُتْ بداء الصمتِ خيرٌ لك من داء الكلامِ هكذا يريدنا السلطان في ديار العرب سالمين غانمين مكممين ملجمين!!... إنها على ما يبدو مؤشرات الكتب لا دلائل الحكمة، وإنما يُراد من التزام الصمت التزام الخنوع(!!) الصمت أحياناً قرين الكبت لا قرين الحكمة فيما يبدو!!.. الصمت بوصفه خُلُقاً فاضلاً يحث على التروي والاتزان غير الصمت الذي بمعنى الخذلان والتقاعس عن نصرة الحق، ولذا قيل: حتى الأحمق إذا صمت يُعدُّ حكيماً.. ولا يعني ذلك أن يتكلم الغوغاء كيفما شاؤوا، وإنما يعني أنه لابُدَّ أحياناً من الكلام الذي بمثابة الفعْلِ، وإذا كان "الأشخاص الواثقون من أنفسهم نادراً ما يشعرون بأنهم مجبرون على الكلام" كما يذهب أحد الحكماء، فإنه بالمقابل كثيراً ما يشعرون بالرغبة في الكلام وسط زحام الرُّويبضة.. ما أجمل في هذا السياق ما روي في بعض الآثار التاريخية عن الأحنف بن قيس أنه ظل ساكتاً في مجلس معاوية، فقال له: ما بالك لا تتكلم يا أبا بحرٍ؟!.. فقال: أخافك إن صدقت،، وأخاف الله إن كذبت!!.. وتذكرنا هذه الحكاية الطريفة إذن بالصمت المطبق للفضائية اليمنية حيال موت المهندس/ فيصل بن شملان، أحد الرُّموز الوطنية، والذي لا ندري لماذا التزم الإعلام الرسمي اليمني الحياد والصمت في خبر وفاته، وهو الإعلام الذي عودنا الثرثرة والهذيان آناء الليل وأطراف النهار؟!!