ثمة انطباعات مازالت عالقة في ذهني منذ أواخر العام الماضي لم تأتِ المناسبة لطرحها بسبب سيل الكوارث والنكبات التي تتلاحق على رؤوسنا، وبخاصة نحن الصحافيين المطالبين بتغطيتها والغوص في أدق تفاصيلها؛ الأمر الذي أدّى بالبعض منا إلى تأجيل الكتابة عن قضايا أخرى ظلت في البال.. وكما أسلفت فلاتزال في ذهني فكرة الكتابة عن ندوة العلامة «محمد بن سالم البيحاني» التي أقامتها جامعة عدن أواخر ديسمبر من العام الفارط، حيث لاتزال الفكرة تلاحقني، خاصة أن ثمة جهداً مشكوراً في هذه الالتفاتة تحسب للأخ الدكتور/عبدالعزيز صالح بن حبتور، رئيس الجامعة الذي حرّك المياه الآسنة تجاه شخصية كبيرة اتسمت حياتها بالخلق والإبداع والاجتهاد في شتى القضايا الدينية والفكرية. فضلاً عن المعاناة التي تكبدها هذا الرجل خلال سنوات عطائه الفكري والديني إبان سلطة الحزب الشمولي في الشطر الجنوبي من الوطن؛ الأمر الذي اضطره إلى الهروب إلى تعز مواصلاً تقديم زاد الاجتهاد والتجديد وإثراء الموروث في تراث رسالتنا الإسلامية وتشذيبها مما لحق بها من خزعبلات!. لقد تذكّرت هذه الإشارة على الرغم من مضي شهر على إقامة احتفالية مئوية البيحاني؛ لأنها ذات مدلول مهم سواء من حيث التذكير بعطاء هذا الرجل أم في رد التحية للأخ الدكتور بن حبتور على هذه الالتفاتة بالغة الدلالة في التذكير بموروث السلف ليستفيد منها الخلف. كما أنني تذكرتها وأنا أتابع الترتيبات القائمة للجامعة لإحياء الذكرى المئوية لميلاد المفكر والمناضل الأستاذ/أحمد محمد نعمان، رائد النهضة الثقافية والسياسية والتحديث في اليمن. وأنا على يقين بأن هذه الندوة وما يمكن أن يصاحبها للتعريف بتراث وسيرة هذا الرجل العطرة سوف تكون موازية أو على نفس المستوى للاحتفاء بمئوية البيحاني التي أماطت اللثام عن كثير من أدوار الرجل ومسيرة الاجتهاد والاعتدال والنبوغ والريادة في عطاءات العلامة البيحاني. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مسئوليات الجامعات والنخب الثقافية لا تقتصر فقط في الأداء التعليمي البحت، وإنما يكمن دورها أيضاً في أن تثري حياتنا بزاد المعرفة، وأن تكون عاملاً فاعلاً في إثارة التساؤلات عن ماضي وحاضر التجربة اليمنية وفي استنهاض نماذج من تاريخنا تدفعنا إلى تمثل مسلكها في الخلق والابتكار وفي النضال والمواطنة والتمسك بقيم الوحدة والحرية والديمقراطية من أجل حياة كريمة. وفي هذا السياق يمكن أن تكون بادرة الأخ الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور، رئيس جامعة عدن فرصة التذكير بهذه الشخصيات الوطنية والفكرية وإعادة قراءة أدوارها وعطاءاتها بما يفيد أجيالنا في الحاضر والمستقبل، وبالذات طلبة جامعاتنا لينهلوا من معين إبداعاتها والتعرف إلى مختلف الظروف والتحديات التي صاحبتها فكانت هذه الشخصيات قوية في الانتصار عليها بما لديها من ملكات الإيمان بعدالة قضيتها. وحبذا أن تقتدي بقية المؤسسات التعليمية بهذه المبادرة التي تقدمها جامعة عدن بدلاً عن المناشط الأخرى التي تؤذي الضمير الوطني وتدعو إلى التبلد أو الاستلاب وإثارة أمراض التعصب السلالي والمناطقي المقيت أو إحياء دعوات الانفصال التي ناضل للخلاص منها آباؤنا وأجدادنا ومنهم البيحاني والنعمان وصفوة المناضلين الذين بذلوا الغالي والنفيس حتى تتحقق تطلعاتهم في الوحدة والديمقراطية والحرية..!. وشكراً يا بن حبتور..