هيئة الإذاعة العربية من ال «B.B.C» من أقدم الإذاعات العالمية، فلقد انطلقت في شهر يناير - كانون الثاني عام 1938م، ويستمع إليها الملايين في العالم. كنت من الذين يعجبون بهذا الاحتشاد حول هذه الإذاعة من قبل أهل «ذي عنقب» قريتي في حدنان. فلقد كنت أنظر في وجوه هؤلاء الذين يتحلّقون حول الراديو أبو «حجر كبير» وهم يصغون إلى هذا الصوت المشوش الذي لا يكاد يبين بعيونهم أولاً وبآذانهم أولاً وبملامح وجوههم. ثم يذهب كل واحد منهم يحلل وفق جهله بالطبع، وكان هذا التحليل يدور حول هذه «الاسرائيل» التي أقبل يهودها من كل حدب وصوب إلى فلسطينالمحتلة. وأذكر أن والدي - رحمه الله - كان أول من اشترى راديو «أبو كعكة» «ترانزستور، ماركة فيلبس» بثلاثين ريالاً فضياً أول سنة من سنوات الثورة 62م. نشأت هذه الإذاعة العربية «القسم العربي» لتبث أخباراً تخدم مشروع المستعمر البريطاني في الشرق العربي. وحاولت طيلة فترة نشأتها حتى هرمها حالياً أن تستخدم أسلوباً مراوغاً ظاهره الحياد وعدم الانحياز ينطلي على الجهال والعوام بينما يعرفه المثقفون الذين «يسمعون» بين السطور!!. غير أن هيئة ال «B.B.C» أوضحت عن نيتها في الانحياز للكيان الاسرائيلي الدخيل حين رفضت الحياد وهي تغطي أخبار «دمار غزة» قبل أسبوعين مضيا. فكان أن انطلقت مظاهرة أمام «البوش هاوس» مقر الإذاعة البريطانية ينددون بهذا الانحياز الفاضح للكيان اليهودي. حتى إن رئيس الحكومة البريطانية وجّه اللوم والعتب للمسؤولين في هيئة الإذاعة البريطانية التي فقدت مصداقيتها في هذه التغطية!!. ولم يقتصر هذا الانحياز للكيان الاسرائيلي على ال"بي. بي. سي" وحسب وإنما في محطات إذاعية وتلفازية بريطانية أخرى. وكذلك في الصحافة مما جعل مخضرمي الإعلام البريطاني يخجلون من هذا الانحياز، متهمين «اللوبي» اليهودي بالالتفاف على الإعلام البريطاني الذي يسير عكس التيار. لا نلوم الإعلام البريطاني، فبريطانيا هي التي منحت فلسطين لليهود وطناً قومياً على لسان ويد وزير خارجيتها «آرثر بلفور» الذي أعطى من لا يملك حقاً لمن لا يستحق. وإنما نلوم بعض أجهزة الإعلام العربية التي كادت تتهم حماس وأهل غزة الباسلة بأنها المعتدية على «اسرائيل» المزعومة. «والله غالب على أمره».