ونحن نراجع صفحات التاريخ الحديث كانت جلودنا تقشعر وقلوبنا تدمى من هول وفظاعة ما فعله الإيطاليون في ليبيا من تدمير وإزهاق للنفوس بالجملة ومجازر وحشية طالت الأطفال والشيوخ والنساء والأولاد ما دون سن الرشد وحتى البهائم والأشجار وكل ما دب حياً على الأرض،.. ولم يكن الفرنسيون في الجزائر بأقل من الايطاليين وحشية وهمجية؛ بل تفوقوا عليهم خسة ونذالة وكأن كل فريق منهم كان يضاهي الفريق الآخر بما تنطوي عليه نفسه من قدرة على التنكيل والانتقام والتدمير والعبث بالأخلاق واحتقار النوع البشري غير المتكافئ معهم قوة وسلاحاً وإقتصاداً. كان الفرنسيون قد قرروا أن أرض الجزائر لابد أن تكون ملكاً للشعب الفرنسي أرضاً وإنساناً، وكان لابد من أجل تحقيق هذا الهدف أن يلغي الفرنسيون كل ما يتعلق بهوية الشعب الجزائري من تاريخ ومبادئ وقيم وأعراف ومعتقدات، قرروا قطع اللسان العربي ومحو اللغة العربية وإبدالها بالفرنسية واستئصال العقيدة الإسلامية من عقول وقلوب ووجدان الجزائريين لتحل محلها المسيحية. كان الفرنسيون على درجة كبيرة من القوة المادية والعلمية، فأوروبا من حولهم تمدهم بكل ما يحتاجونه من مال وسلاح وتأييد والمستعمرات الفرنسية في أفريقيا وآسيا يغرفون منها ما شاءوا، وكانوا «أي الفرنسيون» لات نقصهم الوحشية ولا الهمجية تغذيها جراحهم التي أوقعها بهم أدولف هتلر «النازي» وموسيلين إبان الحرب العالمية الثانية فهم كانوا مازالوا يلعقونها فتثير في نفوسهم المريضة المكدودة مزيداً من التوحش والقسوة واللا آدمية تجاه الآخرين. كان الايطاليون كذلك لم يشفوا من جراحهم التي أوصلتهم أطماعهم وعدوانيتهم إليها في الحرب العالمية الأولى فوجدوها فرصة أن تكون ليبيا غنيمة سهلة لهم دون سواهم من اللصوص المحتلين الأوروبيين الذين كان ينطبق على قارتهم حينذاك أن تسمى قارة اللصوص؛ إذ لم ينج بلد أوروبي واحد في أن يكون ليس محتلاً لأرض الغير في القارات كلها من شرقها إلى غربها في تنافس شرير عجيب في التهام أراضي الغير ونهب ثروات الأمم والشعوب مع نية مقصودة للتنكيل واستعباد الشعوب وإذلالها بدأ بذلك الأسبان والدنماركيون والهولنديون ثم تبعهم الفرنسيون والانجليز والأمريكان والدولة الصهيونية في فلسطين. وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تكبد المقاومون للاحتلال في ليبيا والجزائر واليمن والعراق والشام كل تلك التضحيات والخسائر في الأرواح، حيث سالت الدماء أنهاراً وأشلاء الضحايا من الأطفال والنساء غطت أديم الأرض وشبعت منها النسور والكلاب وصعدت أرواحها الطاهرة إلى السماء تحجب الشمس عن الأرض من كثرتها. لماذا كان على المجاهدين في الجزائر وفي ليبيا وكل أرض دنستها أقدام المحتلين أن يتصدوا لقوة غاشمة جبارة ساحقة كتلك التي كان يملكها المحتلون؛ مع أن المجاهدين كانوا أضعف جنداً وأقل عدداً، كانوا مكشوفين للعدو الذي كان يملك العدة والعدد والعتاد ،وكانت قواته تسيطر على الأرض والسماء فلم تتوان في أن تهدم البيوت على سكانها وتقتل وتنكل وتشرد آلاف الآلاف من الذين لم يشاركوا في حمل السلاح؛ بل كانت جريرتهم هي أنهم من أهل تلك البلاد الذين يرفضون بقاء المحتل جاثماً فوق صدورهم إلى الأبد.. تماماً كما تفعل إسرائيل اليوم بالفلسطينيين الذين يرفضون الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين. كان المجاهدون في الجزائر وفي ليبيا وفي كل أرض محتلة يعلمون أن الغرور والصلف والتكبر أو التجبر في الأرض قد جعل المحتلين لا يأبهون بالقوانين الدولية ولا بالأعراف ولا بمبادئ العدالة أو القيم الإنسانية، فقد كانوا أشبه ما يكونون بذئاب جائعة منفلتة ومتعطشة بسفك الدماء لا يقلون في شيء عما هو عليه حال الاسرائيليين في عدوانهم على فلسطين كما شاهدنا في غزة وكما شاهدناهم يفعلون في جنوبلبنان. لقد استطاع المجاهدون حينذاك أن يصمدوا سنوات طويلة حققوا فيها أعظم الانتصارات لأنه كان من حسن حظهم أن الكتاب والمفكرين والإعلاميين في كل البلاد العربية لم يسعوا لتثبيط همم المجاهدين بوصفهم بالعناصر المنفلتة وغير المنضبطة لأنها تواجه قوى عظمى، فماذا عساها قادرة أن تفعل وهي لا تملك سوى أسلحة بدائية؟!. لكن من سوء حظ المجاهدين الفلسطينيين أن يجدوا في أمتهم العربية من يصفهم بالانفلات!! والله المستعان وهل كان حلالاً أن يتصدى المجاهدون في الجزائر والمغرب العربي واليمن والشام والعراق للمحتلين الفرنسيين والايطاليين والانجليز وحرام على المجاهدين الفلسطنيين أن يتصدوا للاسرائيليين؟!! فيا للغرابة؟! فما الذي جرى للدنيا؟ فأولئك كانوا مجاهدين، أما هؤلاء فانتحاريون؟! فأين العدل؟ أين الميزان؟ وأين الانصاف؟! والله المستعان.