هذا الصلف والعناد الإسرائيلي أو ما يمكن تسميته بالغرور المتعالي أو المستكبر الذي نجده ماثلاً أمامنا مجسداً السلوك الإسرائيلي المستعلي على كل القوانين والأعراف الدولية، من صنعه؟ هل هي إسرائيل التي صنعت كل هذا الغدر المتشامخ من الاستعلاء والاستكبار؟ أبداً!! إسرائيل مهيأة فقط أن تستعلي وأن تستكبر إذا تهيأت الظروف الخارجية لها أن تفعل ذلك وقد هيأ لها العرب والأوروبيون والأمريكان أن تمثل في المنطقة دور «البلطجي» أو «الفتوة» الذي يستعرض عضلاته معتمداً ليس على شجاعته ولا على إقدامه أو حتى على عضلاته، معتمداً ليس على شجاعته ولا على إقدامه أو حتى على عضلاته، بل هو يعتمد فيما ينشره من تخريب وتدمير وإزهاق للنفوس على عدة عوامل في معظمها خارجية وليست داخلية. فلولا تواطؤ العرب منذ عام 1947م وربما قبل ذلك ما استطاع وعد بلفور أن يفعل شيئاً، فقد كان ملوك العرب وحكامهم أجدى لإسرائيل من هرتزل نفسه وأكثر نفعاً لها من تواطؤ الانجليز والروس والفرنسيين والألمان. الفرق بين تواطؤ العرب والأوروبيين هو أن العرب أخذوا يقيمون المنادب ويتقبلون العزاء ثمناً لتواطئهم مع أعداء الأمة.. أما الأوروبيون فلم تهمهم منادب العرب ولا دموعهم، فقد كانوا يعلمون أنها دموع التماسيح ولو كان الله سبحانه وتعالى قد أذن للسلطان عبدالحميد الثاني أن يبعث أيام قيام إسرائيل لكان أمسك بذقون الملوك والرؤساء ليسألهم: أهذه هي الأمانة التي حملتوها بعد انفصالكم عن الخلافة العثمانية التي لم تتوانوا في رفع المعاول لهدمها والإطاحة بها انتصاراً للقومية العربية وتمشياً مع «موضة» الحركات الغربية والتقدمية والشعارات الحزبية والموجات التحريرية..؟ ثم كان لابد للسلطان عبدالحميد أن يسأل: هل وفى الفرنسيون والايطاليون والانجليز فيما قطعوا على أنفسهم من عهود ومواثيق للشعوب العربية في المغرب والمشرق أن تنال هذه الشعوب حريتها واستقلالها فور انتهاء الحرب العالمية الثانية؟ وهل كان عدلاً أم خيانة أن يقتل الفرنسيون في الجزائر وحدها أكثر من مليوني شهيد بعد معارك دامية فيها من القسوة وغلظة قلوب المستعمرين المحتلين الغاصبين ما تقشعر من هولها الأبدان وتشيب من فظاعتها الولدان..؟ ولم يكن الحال في ليبيا والصومال والشام والعراق واليمن بأقل فظاعة مما سارت عليه أحوال الضعفاء في كل مكان؟ إن أهالي غزة اليوم يعانون أشد ما كان عليه حال إخوانهم في الجزائر وليبيا والعراق والشام، فهل سيجد الفلسطينيون في غزة من العرب غير إقامة «المنادب» وسرادقات العزاء؟! هل سيكف العرب عن عادة الاكتفاء بالنظر للفارس البطل يصول ويجول لوحده في الميدان تتناوشه السيوف والرماح، بل هي الصواريخ والقنابل الثقيلة من كل مكان، فلا يجدون شيئاً لحمايته والبقاء صامداً فوق صهوة جواده غير الصراخ والعويل؟! أما من فارس بطل من الحكام من خارج غزة يكسر الحواجز ويصرخ بملء فيه لبيك فلسطين.. ليبك ياأختاه لم نرِك منا سوى الخذلان.. لبيك يافلسطين أماً وأختاً وبنتاً عزيزة تركناك للذئاب والضباع واللصوص يسرقون مجدك وتاريخك.. لبيك يافلسطين لا عشنا ولا عاشت أمتنا إن نحن تركناك للضياع. بالله عليكم ياعرب: إذا ضاعت فلسطين هل ستنعم بالأمان مصر والسودان والشام والعراق والجزيرة واليمن؟!