يبدو المشهد في بلادنا وكل بلاد المسلمين متشابهاً إلى حد البكاء.. فقد عبثت أيادي الأعادي ببلاد المسلمين، فأحالتها إلى كتل مشتعلة من اللهب والصراعات التي تعصف بها من كل جانب . تلك هي ثمرة النبتة الشيطانية لليهود وحركتهم الصهيونية العالمية في العالم العربي والإسلامي .. تحقق مقالة قالها السلطان عبد الحميد آخر خلفاء بني عثمان حين رفض عرض مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل .. قال السلطان عبد الحميد: "يريد هرتزل أن يخدعني بقوله إن اليهودي سيشعر بالأمان حين يضع المحراث في يده، وكان يطلب منه قطعة من أرض فلسطين ليبني لليهود وطنا".. **** قال السلطان العظيم بعد أن رفض عرضه السخي بدعم الخلافة بمبلغ مائة وخمسين ألف ليرة ذهبية، وكانت دولة الخلافة أحوج ما تكون حينها للمال نتيجة لحالة الإفلاس التي تعرضت لها الخلافة من جراء سلسلة الحروب المنهكة في أرجاء العالم .. قال السلطان عبد الحميد ردا على عرض هرتزل الصهيوني "لو أتيتني بملء الأرض ذهبا ما تنازلت لك عن شبر واحد من ارض فلسطين، ولن أدنس شرف آبائي الذين خدموا هذا الدين العظيم ..". **** ثم عاد السلطان العظيم عبد الحميد ليكتب في مذكراته "يريد هرتزل أن يخدعني بأقواله.. إن اليهود لن تقف مطامعهم عند حد وسيعملون على تمزيق الأرض الإسلامية وزرع الفتن في كل أرجائها والاستيلاء على قدراتها والسيطرة عليها .. لكن هرتزل بعث بتهديده للسلطان عبد الحميد بأنه سيستخدم تلك الأموال لإنهاء سلطانه، قال السلطان ليفعل الله مايشاء لكنني لن أخون ديني وشرف آبائي.. ولكنهم فعلوها وأسقطوا الخلافة وأسقطوا الخليفة العظيم السلطان عبد الحميد وعزلوه ليموت منفيا .. **** منذ ذلك الحين بدأت رحلة اليهود في تمزيق العالم الإسلامي وفي إنهاء الخلافة الإسلامية والوصول الى فلسطين كمركز للسيطرة التي لا تنتهي، وقد وصلوا وهم في كل يوم يتقدمون خطوة في طريق تمزيق الممزق وتجزيء المجزأ وخلق الصراعات بين كل طوائف المسلمين تحت شتى الذرائع والمسميات.. فالمشهد الذي نشهده اليوم هو فعل أولئك اليهود وهو نتاج جهد صهيوني بدأ منذ أكثر من قرن من الزمان، ولا يزال يسير بنفس الاتجاه كيلا يبقى على وجه الأرض ومواطن مسلم آمن ومطمئن . **** حين نرى المشهد الآن في العراق ودمويته وإيران وتداعياته والصومال وعنفوانها وأفغانستان واشتعالاتها واليمن وتهديداته ولبنان وكمونه والسودان وتحدياته والجزائر وجراحاتها وموريتانيا وتفاعلاتها وغيرها كثير، نتيقن أن كل يوم يأتي بجديد في عالم الصراعات البينية في بلاد المسلمين كل على حدة وبينها وبين بعضها ولا يأتينا من هذه العوالم صوت الإصلاح.. صوت الوحدة الصوت الجامع لكل هذا الشتات.. لا شيء يطمئن هذا الأمة حقيقة.. لا توجد للعرب ولا للمسلمين راية جامعة ولا قيادة صالحة يلتف حولها الجميع . ولعل أبلغ وأنكى مظهر من مظاهر هذا الصراع هو مانشهده في فلسطينالمحتلة المغصوبة منذ ستين عاما الممزقة الجريحة المحاصرة المنهكة .. وهذا التنازع بين فصائل المقاومة .. وكلهم تحت قمع إسرائيل وتقتيلها بعد تهجير الملايين من أراضيهم.. المشهد الأليم هذا مع مانراه بين الأطياف الفلسطينية ذاتها أبلغ المشاهد وأضرها بالأمة . **** أجل هذا المشهد كله يدعو للبكاء على أطلال أمة تستنجد ماضيها ودينها وتاريخها وتنتظر من يوحد شملها فليس في كل ما نرى شخص جامع وللأسف يحمل هموم هذه الأمة ويجمع شملها ويحقق آمالها.. ولعل هذا كله يحمل حقيقة البشارة بقادم ينقذ به الله هذه الأمة من حالها.. فكلما احلولكت الدياجي بهذه الأمة أمدها الله بمدد من عنده، فهل آن أوان خروج المجدد كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه آله وصحبه وسلم.. "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها"...؟