لايستطيع أحد في بلادنا «حتى المعنيين في الأمر» أن ينكر بأن الفساد صار يدخل في لغة التخاطب بين الناس، بين الأسر..وصارت كلمات مثل «فساد ، فاسد، مفسد» مثلها مثل كلمات «صباح الخير، مساء الخير ، كيف حالك» لا أقول ذلك مبالغاً في الأمر، بل حقيقة يلمسها كل واحد منا كبيراً وصغيراً...فالفساد وانتشاره كالسرطان في الجسد المريض، أصبح وبفعل عدم جدية الاجراءات في مكافحته ولا حتى في الحد من توسعه وانتشاره في كل مناحي حياتنا ومعاملاتنا. أنا لا أناقش اليوم ظاهرة الفساد ولاحتى أضع حلولاً لمواجهته لأن ذلك أكبر مني كمواطن بسيط وهناك اليوم جهات عليا مثل اللجنة الوطنية العليا لمكافحة الفساد هي المسؤولة عن مناقشة قضية الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين وإن كانت المهمة تتطلب بالضرورة تدخل المجتمع بكامله..لكنني أضع أمامكم حكاية اجتماعية حقيقية وليست من وحي خيالي الصحفي الذي لم يتجاوز يوماً حسب ما أتذكر قضايا المواطنين خاصة الغلابا مثلي..حكاية تؤكد المدى الذي وصلت إليه كلمة «الفساد» في حياتنا الاجتماعية وأترك الحكم لكم. «لم يتوقع أحد ممن يعرف العلاقة التي تربط بين «أ» وزوجته «ب» ،أن يأتي يوم وتطلب «ب» الطلاق من زوجها «أ» ...فالعلاقة التي تربطهما أكبر من كونها علاقة بين زوجين..المهم جاء اليوم الذي خرجت الزوجة عن صمتها وطلبت بصوت عال الطلاق..فما السبب؟! أجابت الزوجة: اقبل أي شيء من زوجي، بل حبيب عمري، إلا أن يمد يده على مال أحد، أو يأكل قوت الآخرين ويضر بسمعته التي ترتبط دون شك بسمعتي وسمعة أولاده مستقبلاً..وأضافت:«عندما عرفته وأحببته كان بسيطاً ومتواضعاً ويكره الفساد وينبذ الفاسدين وكنت في أكثر الأوقات أراه غاضباً عند عودته من عمله، كنت أعرف سبب غضبه بأن بعض زملائه يرتشون على حساب الأموال العامة التي يستفيد منها عامة الشعب في بناء المشاريع.. هكذا كان يقول لي..ولا أخفي أنني كنت معجبة جداً به لمواقفه الرافضة للرشوة والإضرار بأموال الشعب..لكنه فجأة مازال الكلام للزوجة وبعد سنوات من ممارسة عمله تغيرت حالته وبدأت مظاهر البذخ تظهر عليه..وكنت كلما سألته عن سر هذا التغيير كان يرد:الله يرزق من يشاء من عباده..لم أقتنع برده..بحثت بنفسي عن السر، وذهبت إلى صديق له هو أقرب إليه من أخ ومنه عرفت أن زوجي أصبح من المرتشين أي أنه دخل في طابور الفاسدين..وعندما واجهت زوجي بالحقيقة قال لي:«لازم نمشي حالنا لا أحد يحاسب ولا أحد يسأل عما يحدث من تلاعب واحتيال ونهب » وسألته «أين مبادئك السابقة وموقفك من الفساد والفاسدين؟!» رد بالضحك:«أنتِ مسكينة ولا تعرفين الدنيا!!» حيث قلت له وبصوت مسموع وقوي: «أنت ياحبيبي فاسد أرجوك طلقني». هذه الحكاية كما عرفتها بصدق..ترى هل فهمتم معنى ومغزى هذه الحكاية خاصة وإن المجتمع بحاجة ضرورية إلى شن حرب لا هوادة فيها على الفساد والإبلاغ عن الفاسدين والمفسدين مهما كانت مراكزهم ونفوذهم...لأن الفساد آفة تعيق التنمية وتخرب المجتمع..ويكفي أن هذه الزوجة قدمت تضحية كبرى من أجل إبعاد الفساد عن منزلها..