أينما تجولت في وجه الكرة الأرضية ببحارها وجبالها وسهولها ووديانها وصحاريها تجد الشجرة شاهد حال على الحقيقة الأزلية، وتعبيراً مكثفاً عن عبقرية المكان والزمان، وتوكيداً آخر على مصائر الكائنات في أزمنة الدهور التي لا تعترف بفيزياء الحساب الزمني التقليدي، ولا تعيد إنتاج ذاتها بكيفية واحدة. كما في اليابسة أشجار في المحيطات، وفي روافد المياه ومسطحاتها الزاخرة أشجار أيضاً، فالبيئة الشجرية متوازية مع تفاصيل البيئات الأرضية وتضاريسها المتغايرة وأحوالها المتقلبة في الأيام والفصول وفي السنين والقرون. في اليابان يزرعون البحر ويعتمدون على نباتات المياه المالحة بوصفها مائدة أساسية في الغذاء النباتي، والزراعة البحرية هناك لا تشمل مزارع الأسماك فقط، بل أيضاً مزارع النباتات المائية. وقد تأكد الخبراء من المنافع الكبيرة لتلك النباتات البحرية، بل إنهم يزعمون أنها المعادل السحري لبلايا الزراعات الأرضية المترعة بالسماد الصناعي والسموم القاتلة. أشجار الصحراء ذات قيمة دوائية خاصة، ذلك أنها التعبير الأمثل عن الكفاءة، تماماً مثل الكائنات الأخرى في الصحراء الأقوى جسداً والأكثر ذكاء وحذراً، والأكثر قابلية للتعايش الرفيق مع بيئة تتقلّب في جمرات الحر الشديد والبرد الأشد. جميلة هي الأشجار بقدر تنوعها واتساقها مع المكان والزمان، رائعة هي الأشجار لأنها شاهدة حال على المعاني والنواميس التي تختصر المدى بين المسافة والمسافة. وتتنزل بالرؤى من علياء فضائها إلى تخوم سفرها الدائم الذي لا يعترف بالمكان وإن ظلت قابعة في مكانها؛ مُتسامقة هي الأشجار بقدر سكونها المُوحي، بل استاتيكيتها المتحركة. في الصباح والمساء، وعند المغيب ومع شفق الفجر تكتسي الأشجار أبعاداً بصرية مُتموسقة مع اللامتناهي شكلاً ومضمون. وبهذا تلهمنا لكي نتعلم، وتضعنا في فضاء الصمت لكي نختصر وننعم بالإشارة لا العبارة.