لعله من أبرز مظاهر التخلف تلك النسبة البشعة والمتزايدة لعدد الأميين في بلادنا.. فبالرغم من جهود الحكومة وبرامج محو الأمية التي أنجزتها الحكومات المتعاقبة في مختلف العهود، فإن الحال مازالت كما هي عليه، بل إن الكثافة السكانية التي تهدد بانفجار حقيقي «على ذمة الاحصائيات أن عدد اليمنيين يزداد مايقارب ثمانمائة ألف نسمة سنوياً». هذه الكثافة السكانية تمنح الأمية بعداً خطراً أشارت إليه الكاتبة «سيمون دي بوفوار» ذات مرة حين وصفت كل طفل جديد بأنه «كم عبثي يضاف إلى الوجود»!؟ إن الانتشار الساحق للأمية يتيح لأجهزة الإعلام البصرية والسمعية فرصة الانتشار الساحق أيضاً، الأمر الذي يرسخ قيم ومبادئ السائد والتافه والمرضي عنه دائماً في وعي الأمي.. أو بمعنى أدق هو يسهم في تغييب هذا الوعي تماماً، ومن هنا كانت قضية الأمية قضية سياسية لا حضارية فحسب.. ذلك إن الهبوط المدمر لمستوى الوعي يؤدي حتماً إلى القناعة الأبدية بما هو قائم والاستسلام غيرالمشروط لما هو مقرر.. لذلك تدخل الأمية من أوسع الأبواب إلى صلب قضية الديمقراطية والعدل الاجتماعي. إن عدد الفلاحين وحدهم يبلغ نسبة كبيرة من عدد السكان البالغ تعداده اثنين وعشرين مليون تقريباً، وتسويد الأمية بينهم هو تسويد لقيم الظلم الاجتماعي.. ولا أنسى هنا دور التراث الشعبي الطويل العمر في إمداد الجهل وشحن غيبة الوعي بالمأثورات الوجدانية الجاهزة التي تبرر الصبر على الحال و«الرضابه»، وأحياناً الفرح لما يمكن الحصول عليه من مكافآت في العالم الآخر. ليس معنى ذلك أن تكون الأمية سبباً في إغلاق الأفواه بالحديد والنار وليس معناه أن تكون عائقاً أمام النهضة والتغيير والتمرد، ولكن إن حدث هذا الأخير فغالباً ما يتسم بالتلقائية والانقطاع. التلقائية هي وليدة الوصول إلى حد مشارفة الموت بلا إسعافات أولية.. فالصرخة حينها لا تمثل وعياً وإنما تجسد غريزة، والانقطاع يجسد الخوف والاكتفاء بما هو مؤقت سواء كان عقاباً أو رشوة!! كلام آخر: «باب النجار مخلّع» هذا المثل الشعبي المأثور تعبير صادق عن حال فرع الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني في تعز والذي لا يمتلك مقراً خاصاً منذ عشرات السنين، رغم منحه أراضي لأغراض البناء للكثير من الجهات الحكومية والهيئات والأفراد. مؤخراً نشب خلاف مؤسف بين فرع الهيئة من جهة وهيئة البحوث الزراعية من جهة أخرى حال حتى الآن دون تحقيق الحلم الطويل للبدء في تنفيذ إنشاء مقر للهيئة في منطقة عصيفرة. ما نخشاه فعلاً هو أن يذهب المبلغ المرصود لبناء مقر خاص بالهيئة أدراج الرياح في حال تعنت هيئة البحوث الزراعية وإصرارها على الرفض غير المبرر وغير المفهوم بعد توفر الحيثيات اللازمة، وسلامة الإجراءات والتوجيهات من المسئولين المختصين للشروع في إنجاز هذا المشروع الهام، والأشد أسفاً إصرار البعض على تجاهل المصلحة العامة التي ينشدها الجميع. رحيل بطعم الفاجعة: كانت محكمة استئناف محافظة الحديدة هي المحطة الأخيرة للراحل القاضي جلال المقطري قبل أن يترجل من على صهوة هذه الحياة الفانية!! لقد كان القاضي جلال تغمده الله بواسع رحمته نموذجاً للإنسان العصامي الجاد والمجتهد، وقد شكل مع زميله ورفيق دربه القاضي فؤاد الحمادي أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية ثنائياً رائعاً شهد لهما الكثيرون بالنزاهة والكفاءة فضلاً عن العصامية. نحتسب عند الله تعالى زميلنا الفاضل الفقيد المرحوم القاضي جلال المقطري ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: «إنا لله وإنا إليه راجعون».