وحدة الاستغلال والأنانية جعلت «البودي جارد» بحاجة إلى حماية، مع أن عمل هذا الأخير توفير الحماية لغيره من الشخصيات والمنشآت والمرافق المختلفة، لكن القاعدة تنقلب عند الحديث عن علاقة العاملين في هذا المجال وأرباب العمل. أصحاب الشركات المشغِّلة لهذه الشريحة من المواطنين وبعيداً عن المقدمات ينصب صلب الموضوع حول ما يعانيه العاملون في شركات الحراسة من استغلال فظيع لمجرد أنهم بحاجة إلى العيش الكريم بعيداً عن مذلة السؤال والحاجة مهما كانت الظروف، ولهذا قد لا يتصور أي شخص يشاهد القيافة والأناقة التي يتمتع بها حراس المنشآت العاملون في شركات الأمن الخاصة أن راتب معظم هؤلاء لايتجاوز مبلغ 10600ريال يمني مقابل العمل والوقوف لمدة ثماني ساعات يومياً من السابعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً وكذا العمل في العطل الأسبوعية والعطل الرسمية والمناسبات المختلفة أي عمل دائم بدون عطل ووقوف ثماني ساعات يومياً وجهد بدني وذهني كبير، ليكون ختام الشهر بأيامه الثلاثين عشرة آلاف وستمائة ريال يمني لا تسد رمق طالب مدرسة لمدة نصف شهر في أيامنا هذه. أحد المنتسبين لهذه الشركات ويعمل في أحد المستشفيات الحكومية في العاصمة شكا بمرارة محزنة ودموعه بادية في مآقي عينيه بأنه لاتوجد جهة أو شخص يثير قضيتهم وما يعانونه من مرارة الظلم والقهر في هذا العمل، ضف إلى ذلك كما قاله هذا «البودي جارد» حول ضوابط الوظيفة التي يعمل بها ومنها، مثلاً إذا حضر المشرف ورأى زر القميص الخاص بالحارس غير مقفل فهناك جزاء مبلغ خمسمائة ريال خصم من راتب الحارس، أما إذا تأخر عن الدوام لدقائق فالخصم يصل إلى ثلاثة آلاف ريال، بمعنى أن ثلاثة جزاءات من هذا النوع ستحوّل الحارس من هؤلاء إلى عامل بالمجان طوال أيام الشهر. فهل يوجد قهر واستغلال أكثر مما يعانيه صديقنا «البودي جارد» وبالرغم من أن العبودية انتهت من العالم بأسره إلا أن الواقع اليوم يفرض عبودية من نوع جديد يقع ضحيتها الباحثون عن لقمة العيش الحلال في ظل صمت رهيب عما يمارسه أصحاب شركات الحراسة من استغلال مقرف لظروف الناس وحاجتهم للعمل، مع إننا في وطن يحفظ للمواطن اليمني حريته وكرامته وكافة حقوقه، ولكن بعض المتطفلين يحاولون إعادة الناس إلى عصور الجاهلية والظلم لاسيما وهم يتسلمون حقوقهم من أصحاب المرافق والمنشآت بالدولار ولايعطوا العاملين في شركاتهم إلا الفتات. هذا الموقف الذي يعاني منه «البودي جارد» ذكرني بوضع الكثير من العمال في بعض المصانع الخاصة، حيث ظل الكثيرون منهم يعملون لثماني ساعات يومياً في ظروف قاسية ليلاً ونهاراً دون توفير أدنى مقومات السلامة ليكون الراتب قرابة الاثني عشر ألف ريال وفيهم عمال يعولون أسراً وعملوا لسنوات، ناهيك عن استغلال طلاب المدارس في العطلة الصيفية ثلاثة أشهر لا يتجاوز أجر العامل فيهم مائتي ريال يومياً. كل هذا الظلم والاستغلال يطرح علامات استفهام كثيرة حول الحقوق التي كفلها الدستور والقانون للمواطن اليمني وما يمارسه بعض رجال الأعمال من استغلال لحاجة الناس وظروفهم المعيشية، فلارواتب تسد الرمق ولا رعاية صحية ولا سلامة مهنية ولا شيء سوى الاستغلال والاستثمار الأسوأ.. فهل من رحمة وإنصاف وعدل.. وهل يوجد لدينا قانون عمل يحدد العلاقة بين العامل ورب العمل؟ وإذا وجد لماذا لا يطبق؟ وهل نحن بحاحة لقوانين ولوائح لا تطبق أم بحاجة إلى ضمائر حية تحس بظروف الناس ومعاناتهم وتعمل على إنصافهم؟.