يقول المثل: «اطلب عمر تنظر عجب» فلو قيل لشخص من القرن الماضي إن هناك مرضاً تنقله الطيور إلى الإنسان لاستغراب أشد الاستغراب، ولم يكد الإعلام يتوقف عن ذكر انفلونزا الطيور حتى ظهرت علينا انفلونزا الخنازير، نحن ولله الحمد قد حرم الله عز وجل علينا لحم هذا الحيوان النجس نجاسة أصلية كما يقول الفقهاء، وعليه فقد حرم تربيته والمتاجرة به. والأمم المتحدة أطلقت على انفلونزا الخنازير اسم «HIN» مراعاة - على ما يبدو - لشعور الخنازير.. المهم ان يتعظ البشر الذين ألهتهم الحياة المادية وطغت على الجوانب الروحية والأخلاقية فكثر فسادهم في البر والبحر وجاهروا بالمعاصي مجاهرة تحمل ملامح التحدي للخالق عز وجل. هذا المرض وما قبله وما سيأتي بعده هو عقوبات للعاصين وتطهير للمحسنين، وقد صدق رسولنا عليه الصلاة والسلام حين قال: «ما ظهر في قوم الفاحشة إلا وظهرت فيهم الأمراض التي لم تكن فيمن قبلهم» أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك لايزال البعض يكابر ويعتبر ذلك نتيجة طبيعية لتطور حضارة البشر وتقدمهم العلمي وتطور الميكروبات والفيروسات، وهؤلاء وهم يقررون ما يعتبرونه حقيقة ينأون بأنفسهم عن الجانب الروحي حتى لا يقودهم الاعتراف به إلى حقيقة أخرى هي عالم الغيب وحقيقة وجود الله عز وجل عند البعض أو كونه مسيراً لهذا الكون عند البعض الآخر. هناك أزمة أو مشكلة حقيقية تعيشها البشرية على المستوى الجماعي وعلى المستوى الفردي وتتمثل هذه المشكلة في غياب التوازن عند كثيرين من الناس بين المادة والروح، هذا التوازن المفقود لصالح المادة على حساب الروح هو السر وراء كل المشكلات التي تعانيها البشرية اليوم. فعند ظهور «مرض الايدز» قبل سنوات أصاب الهلع والخوف كثيرين من الناس حتى إن بعض اللصوص تمكنوا من سرقة بنك حين هددوا الموظفين بنقل المرض إليهم عن طريق العطاس أو ملابس كانوا يحملونها، وأدى الجهل بحقيقة المرض وطريقة انتقاله إلى فتح الخزائن أمام اللصوص، ثم تبين أن الفاحشة سبب رئيس لهذا المرض وانشغل الناس بإيجاد علاج هذا الداء ولم يتعرض طالبو الدواء إلى حرية الجنس والعلاقات الشاذة؛ فهي مقدسة لديهم، وتطورت وسائل انتقاله، فمرة عن طريق نقل الدم والحمل أيضاً، مع ذلك ظلت حرية الفاحشة في القول باسم حرية التعبير والفعل بممارسة هذه الفواحش حرية مطلقة يتعرض من ينتقدها أو يعترض عليها للعقاب. نحن لا نقول بأن مرض انفلونزا الخنازير من آخر الأمراض، فقد تعرض اللحم الحلال لمرض الوادي المتصدع «حمى الرفت» وربما نفيق يوماً على مرض «انفلونزا التيوس» أو «العجول» كل ذلك ممكن، المهم هل نحن على استعداد للالتفات ولو قليلاً إلى الجانب الروحي وإعطائه حقه من التوازن المطلوب حتى نتمتع بالحياة المطمئنة التي لا تستقيم إلا بهذا التوازن. قد يقول قائل: لماذا تكثر عندنا الأمراض ويكثر عندنا الفقر والبطالة ونحن مسلمون نوحد الله عز وجل، وهم في حياتهم أكثر رغداً وأكثر اطمئناناً، وماذا حققنا نحن المسلمين بإسلامنا؟!. الجواب أولاً قد يكون صحيحاً أن حياتهم أكثر رغداً، ولكن ليس صحيحاً أنهم أكثر اطمئناناً، فعيادات الأمراض النفسية عامرة بالمرضى، ومعدلات الانتحار في تزايد مستمر. وقد انتقلت إلينا العدوى بصورة سريعة، والسبب أننا فقدنا هذا التوازن، فالذي يعلم ان الابتلاء يكون بالنقم وبالنعم يعالج الأولى بالصبر والثانية بالشكر، وهو يعلم أن لكل حال ثوابه وقد يبتلي الله عز وجل الإنسان بمصيبة قد لا يكون طرفاً فيها وهو لا يعلم لها سبباً مباشراً، ثم يتلفت بحثاً عن سبب فلا يجد سبباً مباشراً ثم يتطلع إلى السماء لماذا يا رب؟!. وما علم المسكين أن تلك المصيبة قد تكون لسداد دين معصية سابقة، فشعوره بالظلم يذكّره مرارة الظلم الذي قد سيكون أذاقه لغيره قبل أعوام. وربما كانت المصيبة سداداً لمعاصٍ سابقة، وجاءت فرصة التوبة ولم يفعل.. وربما كانت تطهيراً له عن صغائر تراكمت، والصبر يساعد على امتصاص الصدمة.. وإذا علم المصاب أن الله عز وجل يدبر أمره وهو المقدر؛ فإنه لا يمكن ان يلجأ إلى الانتحار إلا ان يكون مريضاً نفسياً لا يستطيع أن يوازن بين الأشياء. خلاصة القول إن انفلونزا الخنازير قد تصل إلينا ويجب أن لا تنتظر وقد أحسنت وزارة الصحة بالتنسيق حول الموضوع مع وزارة الصحة في دول الخليج، ولكن أرجو أن لا يكون التنسيق على الورق، فحدودنا مفتوحة والسياح يأتون من بلدان قد ابتليت بهذا المرض.. نسأل الله العافية والصحة للجميع.