لا أحد يستوعب هذه الحقيقة ولايمكنه أن يصدق أن يكون بيع الأطفال حقيقة فعلاً .. فمن ذا يستغني عن فلذة كبده مهما كانت ظروف عيشه قاسية وصعبة فهذا أمر مستبعد ومن المستحيل أن يفكر عاقل بعرض أبنائه وبناته للبيع مهما بلغت المغريات فحتى الحيوان يقاتل ويقتل في سبيل حماية أبنائه. وكما يقال: إن القطط تأكل أبناءها من شدة حبها لهم، فما بالنا بالإنسان بما حباه الخالق من عواطف وأحاسيس ومشاعر يصعب معها فراق أعزائه وأحبابه فكيف نتصور أن يتحجّر قلبه وتتصلب عواطفه وتموت مشاعره لدرجة تجعله يتخلى عن أبوته وحنانه وعطفه وإنسانيته، ويقدم على مثل هذا الفعل الشنيع، حيث يعرض أبناءه وبناته للبيع وكأنه يبيع حيواناً من حيواناته، ومع ذلك وبكل أسف أصبح بيع الأطفال في عدد من مجتمعاتنا العربية حقيقة واقعة، ولافرق بين من يبيع أطفاله ويقبض ثمنهم وبين من يتخلى عنهم ويدفعهم إلى طريق الضياع ويجبرهم على التسول والانحراف ليحصل هو على بعض المال الذي يحصلون عليه دون أن يسأل نفسه من أين حصلوا عليه وماهو الثمن الذي دفعوه لذلك. ومنى ابنة الأربعة عشر ربيعاً والتي بدأت أنوثتها تتفجر وتلفت بجمالها عيون ذئاب آدمية تتحين فرصة افتراسها فلا يكاد يصدقون أنها ذاتها الطفلة التي عرفوها قبل سنوات تمد يدها وتسأل العابرين.. هي واحدة من عشرات الأطفال والفتيات الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على التخلي عن طفولتهم وأحلامهم البريئة وعن الحياة الآمنة المطمئنة في كنف الأسرة التي كانت سبب وجودهم وتحرص على تربيتهم ليكونوا أفراداً نافعين في مجتمعهم.. ولكن أين «منى» من هذا كله؟؟ بعيداً عن مؤتمرات الأمومة والطفولة ومنظمات حقوق الأطفال وبعيداً أيضاً عن تلك الخطب الرنانة وحلقات النقاش الساخنة التي لاتسمن ولاتغني من جوع ولاتأوي طفلاً مشرداً أو تصون عرض فتاة مشردة وقفت «منى» لتحكي مآساتها والسبب الذي دفعها إلى هذا الطريق.. قالت: إن أباها طلق أمها وتزوج بامرأة أخرى وأمها تزوجت هي الأخرى برجل آخر والجميع رفضوا أن تكون هي وأخوتها في بيت أحدهما، فالأب خاضع لسيطرة زوجته والأم خاضعة لسيطرة زوجها.. الحل الأمثل غرفة صغيرة تم استئجارها لتكون مأوى لهؤلاء الأطفال وعليهم تدبير حياتهم فلم يكن أمامها غير الخروج إلى الشارع الذي وجدته مصدر رزق لها ولإخوتها.. ومع مرور الأيام ازدادت خبرتها ومعرفتها وأصبحت أكثر قدرة على كسب المال أكثر من ذي قبل، والغريب أنها اليوم تساعد أباها وأمها كلما طلبا منها ذلك ولكنها بدأت تشعر بخطورة بقائها في الشارع وهي في هذا السن ولاتريد أن يكون مصيرها مصير زميلتها صفاء التي تم اختطافها.. فمن يصغي لهذه البريئة وينقذها قبل أن تُذبح ؟. قبل أيام أثارت صحيفة الجارديان البريطانية مشكلة تهريب الأطفال العراقيين والعراقيات إلى دول أوروبا وإلى دول الجوار وأشارت إلى أن أكثر من مائتي ألف طفل وطفلة تم تهريبهم لينتهي بهم المطاف في دور البغاء والدعارة في واحدة من أقذر قضايا انتهاك حقوق الطفل وامتهان إنسانيته.. أم عراقية وفي برنامج «أحمر بالخط العريض» الذي تعرضه قناة «LBC» اللبنانية اعترفت ببيع ابنتها البالغة من العمر تسع سنوات لامرأة مقابل مبلغ من المال وأن هذه المرأة استخرجت لابنتها جواز سفر لتعمل في الدعارة بحسب اعترافات الأم التي طالبت الحكومة العراقية مساعدتها لاسترجاع ابنتها أيضاً. وقبل أسابيع أثارت وسائل الإعلام خبر إلقاء السلطات المصرية القبض على عصابة تتاجر بالأعضاء البشرية وكان ضحيتها خمسة أطفال يمنيين تم تهريبهم إلى مصر وخضعوا لعمليات استئصال كلى. تهريب الأطفال وبيعهم أصبح ظاهرة وخطراً يهدد المجتمعات العربية بما فيها بلادنا التي شهدت تنامي هذه الظاهرة بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، ورغم كل هذا نتعاطى مع هذه الظاهرة بكل برود ونمر عليها مرور الكرام دون أن نكلف أنفسنا حتى مجرد التفكير بوضع حد لهذا الخطر الداهم الذي يتهدد حياة أطفالنا ولانكاد نعير تلك الإعلانات عن فقدان أطفال أي اهتمام ونعتبرها مجرد حادث عادي سببه اهمال الأسرة وتقصيرها في رعاية أطفالها أو أسباب أخرى دون أن نضع في حساباتنا أن هذا الطفل قد تم بيعه وتهريبه خارج حدود البلاد.. فهل اقتنعت عزيزي القارئ أن هناك أطفالاً وفتيات للبيع فعلاً.