في مقالها المنشور على صدر صحيفة الجمهورية يوم السبت الماضي بعنوان «تعليم خاص» جاءت الأستاذة غادة العبسي على الجرح النازف للتربية والتعليم وكشفت الغطاء عن نقطتين في غاية الأهمية، الأولى حالة الطالب (سياف) الذي عجز عن قراءة سؤال الاختبار وزاد على ذلك عدم قدرته على كتابة الحروف الهجائية.. «سياف» ليس حالة خاصة.. في مدرسة خاصة إنها ظاهرة موجودة في جميع المدارس الخاصة والمخصخصة، والمخصيّة، والقضية الأخرى علاقة بعض الموجهين بمدراء المدارس الخاصة وطريقة ادائهم لعملهم . وهو نفس الكلام الذي سمعته من أحد الموجهين قبل أيام عن الأساليب الملتوية التي يتبعها بعض مدراء المدارس الخاصة في اغراء بعض ضعفاء النفوس للتستر على التجاوزات التي تطال التعديلات في النتائج بصورة لايمكن السكوت عنها. العبث بنتائج الطلاب تمارسه كل المدارس ويأخذ في كثير من الحالات طابعاً رسمياً بمسمى المعالجات التي ترفع نسبة النجاح إلى المستوى الذي تريده الوزارة وهذا أيضاً نفس النهج الذي يتم في اختبارات الثانوية العامة والأساسية. هذه المعالجات أفرزت مخرجات تعليمية رديئة وجعلت الطلاب ينتقلون من الصفوف الأولى إلى الصفوف التالية بمستويات لاتؤهلهم للتعامل مع المادة العلمية في الصفوف الجديدة. تدني مستوى القراءة والكتابة للتلاميذ لم يعد حكراً على صفوف التعليم الأساسي، فطلاب الثانوية العامة أصبحوا منافسين أشداء برعاية من السياسات التعليمية المحنطة. هل يمكن لطالب أن يستوعب المادة العلمية في المقررات الدراسية وهو لايجيد القراءة والكتابة؟ وكيف ينتقل هؤلاء الطلاب من الصفوف الأولى إلى الصفوف التالية وهم لايجيدون القراءة والكتابة؟ الأسباب عديدة ومترابطة مع بعضها برباط وثيق متمثل بالفساد بمفهومه الواسع الذي نخر جسد التربية والتعليم واستفحل به من سنوات.. الكتّاب «المعلامة» التي كانت القراءة فيها للميسورين أخرجت علماء وفقهاء وشعراء ومبدعين على مر التاريخ ولم تكن القراءة والكتابة تشكل مشكلة لذلك النظام التعليمي.. واليوم وفي ظل التقدم التكنولوجي والمعرفي وتعدد وسائل الاتصال المعرفي وانتشار المباني المدرسية أبناؤنا لايجيدون القراءة والكتابة .. إنها معادلة صعبة فك طلاسمها وشفراتها بيد القائمين على التربية والتعليم. الكتاب المدرسي في الصفوف الأولى لايساعد على تعلم القراءة والكتابة، ومعلمو الصفوف الأولى غير مؤهلين مهنياً وأكاديمياً للتعامل مع التلاميذ في هذا المستوى العمري والدراسي ولايجتهدون في البحث عن طرق وأساليب تساعدهم على رفع مستوياتهم لتنعكس بعد ذلك على تلاميذهم. التوجيه والاشراف التربوي بعيد كل البعد عن تأدية مهامه ، والآلاف من الموجهين مفرغون من العمل ومن تبقى في الميدان يجد نفسه وسط اختلالات هائلة، فلا تتم زيارات المدارس بصور منتظمة وإذا قدر لأحدهم زيارة ما فالتحصيل العلمي ليس هدفاً اساسياً للزيارة.. والسؤال الأساسي هو: هل أكمل المعلم المقرر الدراسي أم لا؟ ولماذا تأخر؟ ويرتفع الصوت أمامك أياماً محدودة العام الدراسي انتهى، «زلج» المنهج ؟ كيف بأي طريقة هذا «مش شغلي». لم نر أو نسمع أن حلقة نقاش أو ورشة عمل أقامها التوجيه في مدرسة ما أو مديرية ما يتم من خلالها إدارة حوار ونقاش يشترك فيه المعلم والمشرف وبعض أولياء الأمور حول مشكلة تعليمية محددة حتى يصل الجميع إلى حلول ممكنة. معايير القياس والتقويم «الاختبارات» العلمية تم تغييبها وفق سياسة ممنهجة كرست التجهيل في أبهى صوره. اختبارات الصفوف الأولى وفي المواد التي هي أساس تعليم القراءة والكتابة تعتمد على الأسئلة الموضوعية «خطأ أو صح» والاختيار من متعدد والمزاوجة. لم يعد معيار القراءة والكتابة معياراً أساسياً لنجاح الطالب فأسلوب الأسئلة يسهل الغش ويقلل من تكاليف الاختبارات ويسهل على المعلم التصحيح والنتيجة في الأخير مصالح على حساب مستقبل الأجيال القادمة.. فهل من مراجعة شاملة لكل الاختلالات بعيداً عن الحلول الترقيعية التي انتهجتها الجهات المختصة حتى نعيد للتعليم ألقه؟