رغم الجهود المحسوسة والملموسة التي تبذلها أجهزتنا الأمنية المختلفة في الحفاظ على الأمن والاستقرار قياساً بما تمتلكه من الإمكانيات والطاقات البشرية والمادية.. إلا أن المسألة الأمنية تظل أكبر بكثير من المهام المناطة على كاهل وزير الداخلية ووزارته مهما كان إخلاصه ومهما تعاظمت جهوده ومهما كانت درجة تعاون وزارته مع جهازي الأمن السياسي والأمن القومي فاعلة ودقيقة في هذا الزمن الذي تكثر فيه الأعمال الإرهابية الناشئة عن التطرف الذي يمتزج فيه الدافع السياسي المادي بالدافع الديني الروحي. إلا أن المسئولية الأمنية تحتاج إلى تعاون أكبر وأشمل من أبناء الشعب مهما كانت أحزابهم حاكمة أو معارضة، وتحتاج قبل ذلك وبعد ذلك إلى تكاتف وتعاون وتكامل الدولة بشكل عام بكافة الوزارات والهيئات والمؤسسات والأجهزة الحكومية وأعضاء مجلسي النواب والشورى ورؤساء وأعضاء السلطة المحلية ورؤساء وأعضاء المحاكم والنيابات القضائية من القاعدة إلى القمة وغيرهم من رؤساء وأعضاء المنظمات النقابية والمهنية والجمعيات الخيرية والتعاونية ومنظمات المجتمع اليمني الإبداعية والإنتاجية. لأن الأمن في مجتمع ديمقراطي يمتد ليشمل كافة المجالات الحياتية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا يمكن تجزئته وحصره في نطاق هذه الجهة الأمنية أو تلك وفي نطاق المشتغلين به من رجال الأمن من الضباط والصف والجنود وما لديهم من النظم والقوانين والوسائل والمستلزمات والآليات ذات الصلة بالتدريب والتسليح والمواصلات والاتصالات والتقنيات المعلوماتية والإمكانيات المالية والمصادر الاستخبارية الرسمية والشعبية في مجتمع ديمقراطي مفتوح يعاني من سوء استخدام السلطة. ويعاني من الفقر والجهل والتخلف والبطالة وفساد العادات والتقاليد العشائرية والقبلية البالية وغير ذلك من النزعات والظواهر السلبية المناطقية التي اعتادت عليها بعض الجماعات والقبائل مثل التقطعات والاختطافات والثأرات المتمردة على ما هو نافذ من المرجعيات الدستورية والقانونية المنظمة للحقوق والواجبات على 14اكتوبر من المنجزات التاريخية والحضارية في شتى مناحي الحياة، قد نقلت المجتمع من نطاق الحاجة الأمنية البسيطة والسهلة إلى نطاق الحاجة الأمنية المركبة والمعقدة التي تحتم على الدولة والمجتمع الاحتكام إلى سيادة القانون أكثر من أي وقت مضى. لأن الأمن الغذائي والاقتصادي شديد الارتباط بالأمن السياسي والاجتماعي، والأمن الاجتماعي شديد الارتباط بالأمن الثقافي والوطني بصورة توجب على الجميع النظر إلى الأمن العام من منظور التعدد والتنوع الموجب للتعاون والتكامل والتفاعل بين المجتمع والدولة بكافة سلطاتها الدستورية على نحو يحقق الأمن والاستقرار لكل أبناء الشعب وما يحتاجون من التنمية الحضارية المتوازنة والمتناغمة في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدائمة الحركة والتغيير والتطور. بداية من إعادة النظر في المناهج التربوية والتعليمية الأساسية والثانوية والجامعية والعليا وحق أداء الرسالة الإعلامية في موكب التوعية بالثوابت الوطنية، ومروراً بتوفير القدر المعقول والمقبول من فرص العمل وتشغيل العاطلين وتحسين مستوى الدخل الموازي لقدر من العدالة الكفيلة بالحد من الإحساس بالظلم والفقر، ونهاية بتحقيق سيادة القانون المجسد لما تعنيه المواطنة المتساوية من مساواة في الحقوق والواجبات على أسس تتجسد فيها المعاني الجليلة لقول الرسول الأعظم مخاطباً خالقه بقوله: «اللهم أسألك الأمان قبل الإيمان». ومعنى ذلك ان من لا أمان له من القلق والخوف من المجهول لا إيمان له ولا فاعلية علمية وعملية في شتى مناحي الحياة الإبداعية والانتاجية المادية والفكرية والروحية، لأن الحياة بناء، والبناء مسئولية، والمسئولية تحتاج إلى قدر من الشجاعة المنظمة ويقظة الضمير جنباً إلى جنب مع الميل الدائم والمستمر إلى الثواب والعقاب بعيداً عن الانسياق خلف الأطماع والأهواء والنزعات الذاتية والفوضوية المقلقة للوطن والمواطن، التي لا تخلف للفرد والمجتمع سوى المزيد من التخلف والجهل. لأن ضابط الأمن وجندي الأمن ورجل الأمن المسئول عن تطبيق سيادة القانون في الحماية الأمنية لا يمكن أن يكون مثالاً للنجاح في تحمل مسئوليته الأمنية وتأمين الفرد والمجتمع من الممارسات الفوضوية وما يقوم به الإرهابيون واللصوص وقطّاع الطرق والقتلة ما لم يكن مستوعباً ومستنداً إلى ما له من الحقوق وما عليه من الواجبات القانونية؛ لأن عدم شعوره بالحماية القانونية وعدم استيعابه لمسئولياته الأمنية الخطيرة يجعله عرضة للأخطاء والأخطار التي تدفع به بقصد ودون قصد إلى الإخلال بمسئولياته نزولاً عند مغريات ومصالح غير مشروعة أو خوفاً من العواقب الوخيمة لما قد يتهم به من جرائم جسيمة. فهو يتعامل مع أولئك الفاسدين والمفسدين ويتعامل مع أولئك الخارجين عن القانون الذين يحترفون الفساد والجريمة المتعددة الدوافع والأغراض؛ لا يستطيع النجاح إلا من خلال الإخلاص المستند إلى شرعية قانونية توازن بين الثواب والعقاب في استشعار الحق والواجب في مجمل علاقاته بمن حوله من أبناء الشعب مواطنين صالحين كانوا أم مواطنين فاسدين. ودون اليقظة الأمنية وما يقدمه أبناء الشعب من المعلومات الصحيحة لا يمكن للنجاح أن يتغلب على الفشل، ولا يمكن للصواب أن يتغلب على الخطأ، ولا يمكن للأمانة أن تنتصر للعدالة، ولا يمكن للحرية والديمقراطية أن تنتصر على الاستبداد والديكتاتورية وطغيان الفوضى على ما يتطلع إليه الشعب من النظام. ولا يمكن للتنمية الشاملة والعدالة والمواطنة المتساوية أن تتحقق إلا في الأجواء الآمنة والاستقرار؛ لأن الخوف والقلق ومخالفة القوانين لا تثير سوى المزيد من القلق والخوف والظلم وما بينهما من المعاناة الناتجة عن غلبة الحاجة على الكفاية، والجهل على العلم، والفوضى على سيادة القانون، والتنافر على التعاون.