كلنا يعرف أن الدولة تخصص سيارات لكل المسئولين الذين يشغلون مناصب عليا في الوزارات والمؤسسات العامة حتى توفر عليهم عناء المواصلات، وتشجعهم على الذهاب إلى أعمالهم معزّزين مكرمّين في أوقات مبكرة. وتمنحهم الاستعداد النفسي لمقابلة المواطنين بوجوه غير كئيبة، هؤلاء المسئولون هم المعنيون بتنفيذ خطط الوزارات والمؤسسات والمصالح التي يشغلون فيها مناصب عليا، ويعتمد عليهم الوزراء في إنجاز كل الخدمات التي تقدمها الوزارات كل في مجاله، وهم الوكلاء ومديرو العموم ورؤساء المصالح ومن في مكانتهم ممن يحضرون لأماكن عملهم بسيارات خاصة تملأ أفنية الوزارات والمؤسسات الحكومية، والموظفون الذين لم يصلوا بعد إلى درجة الحصول على سيارة حكومية لا شك كثير منهم يملكون سيارات خاصة بهم، وبخاصة رؤساء الأقسام، وموظفو الشئون المالية.. وربما تلك السيارات هي أجمل منظر يراه المواطن في أية مؤسسة أو وزارة، إذ تمثل تلك السيارات للمواطنين القاصدين تلك الوزارات والمؤسسات بادرة الأمل في سرعة انفراج كل كربهم مرة واحدة ، فما دامت السيارات موجودة فإن أصحابها موجودون ومداومون في مكاتبهم ، والمؤسسة أو الوزارة بخير وكل الخدمات قائمة على قدم وساق؛ لأن الرؤوس الكبيرة موجودة، ولن يقف أي موظف صغير أمام أية نقطة أو فاصلة أو لفظ في المعاملات لأن المرجعية موجودة ، ولا مبرر للتأجيل.. كثير من المواطنين المترددين على تلك المؤسسات يبدأون مراجعاتهم في الوزارة أو المؤسسة بحصر السيارات في فناء هذه المؤسسة أو الوزارة والتعرف على السيارات المهمة فيها، وصفات أصحابها الوظيفية، حتى يضمنوا عدم ضياع وقتهم في تكرار التردد على الوزارة للبحث عن كل صاحب سيارة في أوقات مختلفة،.ويفعل مثل ذلك بعض الوزراء الذين يطمئنون إلى استتباب الدوام الرسمي من إلقاء نظرة عامة على سيارات الموظفين المهمين في وزاراتهم أثناء دخولهم..فإذا كانت السيارات موجودة ينشرح صدر المسؤول الأول، ويدخل مكتبه وكله ثقة بأن الانتماء للوزارة أو المؤسسة في أعلى درجاته، وأن العمل يسير بخطى سريعة نحو تحقيق الأهداف.. لكن بعض تلك السيارات للأسف صارت عاملاً مساعداً على الفساد لأنها تمنح أصحابها غطاء مادياً ملموساً للتهرب من مسئولياتهم أوقات الدوام الرسمي ... نعم هذا ما يحدث فعلاً في بعض الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية؛ فقد تعود بعض المسئولين إحضار سيارات عملهم، أو توجيه سائقيهم لإحضار السيارات الخاصة بالعمل إلى فناء المؤسسة أو الوزارة في الصباح الباكر، ووضعها في مكانها المخصص، لتبدأ تلك السيارات الدوام الرسمي بكل إخلاص، أما المسئول ففي أقل من نصف ساعة تراه يغادر المؤسسة بسيارة أخرى خاصة به ، أو مع أصحابه إن لم يكن معه سيارة أخرى إلى أماكن ليست لها علاقة بعمله الرسمي، وحينما يبحث عنه المواطنون يرد الموظف المطلع على الأمور بمنطق المقدمة والنتيجة، (سيارته موجودة إذن المسئول موجود)، ولأنه ليس في مكتبه تبدأ الاحتمالات وفرض الفروض؛ المسئول موجود في مكان ما في الوزارة .. ربما في اجتماع عمل... ربما طلع فوق... ربما نزل تحت .. وحينما يلاحظ الموظف المتبرع بإعطاء المعلومات وجه المواطن صاحب المعاملة وقد بدا عليه الإعياء يهدئ من توجساته بقوله: لا تقلق سيعود المسئول بعد قليل .... انتظر له قليلاً سيعود ... ويمتد هذا القليل في معظم الأيام إلى نهاية الدوام دون رجوع المسؤول...ويتكرر الأمر كل يوم ، والمواطن معذب بين دوام السيارات واختفاء أصحابها... ولكنه لا يجرؤ على الشكوى لأنها ستثير له المشاكل، فهو ينكر وجود أشخاص المسؤول الأول نفسه قد تأكد من وجودهم قبل دخوله مكتبه من خلال وجود سياراتهم... لا شك أن سيارات العمل الحكومية، والخاصة تتصف بوفاء نادر لا تحسب مخاطره، لكنها تسهم في استمرار الفساد؛ فهي تحمي أصحابها الفارين من إنجاز معاملات المواطن الغلبان، فتتستر عليهم ،وتعفيهم من ترك شالاتهم ومعاطفهم على الطاولات، كما كان في السابق، كما إنها تضفي الشرعية على غياب أصحابها أمام المسئول الأول عنهم في تلك الوزارات أو المؤسسات، فضلاً عن أنها تعرض حياتها للتلف والتلاشي بفعل عوامل التعرية التي تتعرض لها يومياً دون مبرر،إذ إن دوامها غير مستثمر، فلا هي تفيد المواطن ولا تسلم نفسها من الاستغلال .. ماذا لو تم وضع خطة لمراقبة دوام سيارات العمل الخاصة بالمسئولين في الوزارات والمؤسسات التابعة لها؟!! ... لا شك أن تلك السيارات ستأخذ جوائز الدوام الرسمي المثالي، فهي تداوم بشحمها ولحمها لا تتعذر بصبوح ولا بصلاة ولا باجتماع ولا بشراء القات ولا بأي شيء...، وتظل في أماكنها من بدء الدوام إلى نهايته دون تذمر من حر الشمس ولا من قسوة البرد... نقترح أن تتولى تلك السيارات توقيع معاملات المواطنين بدلاً عن أصحابها، فربما تكون أرحم وأسرع لتنفيذ المعاملات وإراحة المواطن من الطلوع والنزول والانتظار المر في أروقة المكاتب المختلفة، ما لم فينبغي أن تقدم ملفات تلك السيارات إلى هيئة مكافحة الفساد، لأنها تسهم في عرقلة معاملات الناس، من خلال تسترها على الفارين من الدوام الرسمي.. (*) كلية التربية - جامعة صنعاء [email protected]