شارعنا أخضر.. هذا صحيح.. ولكن لايجب أن يخطر ببالكم أننا قد زرعنا ورداً أو أشجاراً وخمائل أو أننا قد غطيناه بالحشائش والزهور أو أننا قد فرشناه بالموكت الأخضر الجميل وذلك ليبدو أمام الناس متألقاً وفاتناً.. كلا والله.. وألف كلا.. فنحن لم نفعل شيئاً من ذلك كله..!! فماذا فعلنا إذن؟.. كل الذي فعلناه هو أن جماعة من شبابنا المغاوير الذين يسهرون في الليل حتى مطلع الفجر أو يقيلون في النهار«مخزنين» حتى منتصف الليالي تكون المعدة عندهم قد تحولت من كثرة ماابتلعه صاحبها من شجرة القات وأوراقه وأغصانه الغضة التي تكون قد ارتوت من الماء وتشبعت بالسموم الكيماوية قريبة الشبه بسم الحشرات وهرمونات النمو السريع، قد تحولت إلى معدة خروف أو أمعاء بقرة.. ويكون حلقه ولثته قد تحولا إلى كتلة ملتهبة قرمزية اللون قريبة الشبه من مؤخرة «الرُّباح» إلا أن مؤخرة القرود غير ملتهبة، وإنما هي كذلك على الصفة التي خلقها الله عليها. وعندما يطول المقام بعصيدة القات في الفم والمعدة والأمعاء فإنها تسبب قروحات مزعجة في الفم والحنجرة والمعدة والأمعاء من تأثير تلك المواد الكيميائية قريبة الشبه من سم الحشرات، فلا يكون بد من أصحاب تلك العاهات التي صنعوها بأيديهم وبإرادتهم وملء حريتهم من أن ينثروا من أفواههم ما تبقى من «عصيدة القات» إلى الشارع حيث يقطنون أو إلى الشوارع الأخرى حيث ينزلون، وبعضهم لا يكتفي أن ينثر ما في فمه إلى الشارع كما تنثر معدة الخروف ويغسل فمه ولثته وحنجرته كما تغسل معدة الخروف وما فيها من جيوب ومنعطفات وثنايا بل يعمد أيضاً إلى أن يتقيأ فيلقي بحمولة معدته إلى الشارع المسكين المبتلى بوجود مثل هؤلاء الشباب.. فإذا بالأرض التي كانت قبل قليل نظيفة خالية من البكتيريا والفطريات والفيروسات وآفات الأسنان وأحماض المعدة وقد صارت كئيبة في منظرها، تحمل ألواناً خضراء تشبه ألوان محتويات معدة الخروف أو أية ذبيحة أخرى، وهناك ألوان بنية داكنة أو فاتحة بفعل عملية «الأكسدة» التي تطرأ على الأشياء بعد تعرضها لأشعة الشمس. صارت الأرض ليست فقط مدهونة بألوان كئيبة ومنفرة، لكنها أيضاً صارت أرضاًَ ملوثة تنقل العدوى خصوصاً للأطفال الذين نراهم يفترشون الأرض ويغرسون أصابعهم وأظفارهم في التراب وبين الحجارة.. يحفرون في الأرض وربما يلعق بعضهم المكان حيث «اكترع» حليبه أو عصيره.. فالخضرة إذاً كما ترون ليست دائماً علامة من علامات الرقي والتحضر والذوق الرفيع.. فقد تكون الخضرة في مثل هذه الأحوال علامة من علامات البلادة وتدني الذوق عند الإنسان، وعلامة من علامات سوء التربية.. وهي في النهاية دون أدنى شك علامة من علامات التخلف النفسي والعقلي والاجتماعي.. إنهم يتشبهون بالقطط التي تتقيأ في الشارع ونادراً ما تتقيأ القطط.. أما الشباب فإن العدد غير القليل منهم لم يعد يشعر بالحياء ولا بالخجل وهو ينثر محتويات شدقيه في الشارع أمام الصغار والكبار والنساء والرجال وكأنه لم يقترف ذنباً ولم يأت بمنكر، ينكره الذوق السليم وتنكره الأعراف والتقاليد الراقية للمجتمع. فهل من حل لإيقاف هذه الظاهرة التي تزداد تفاقماً مع مر الأيام؟ ألا تستحق مثل هذه السلوكيات البليدة أن يتحدث عنها المعلمون في المدارس والأساتذة في الجامعات، ألا تستحق مثل هذه العادات السيئة أن يتناصح الشباب فيما بينهم لإيقافها؟ ألا تستحق مثل هذه الممارسات المتخلفة ذوقاً أن يتحدث عنها الوعاظ والدعاة في المساجد والمنتديات والمحافل ويقولوا للشباب: عيب.. عيب.. عيب؟! عيب عليكم يا شباب وعيب عليكم يا آباء الشباب أن تشوهوا ملامح شوارعكم وأن تجلبوا أسباب العدوى والتلوث للصغار من أبنائكم، ألا تعلمون أن هذه رسالة يقرأها الأجانب من الزوار لبلادكم؟! فأية رسالة قبيحة هذه التي تريدون توصيلها لزواركم وضيوفكم؟! ألا ما أقبحها من رسالة.. لا ينافسها في القبح إلاَّ البصق على الأرض من موالعة «التمبول» في محافظة عدن فتتحول الأرصفة الجميلة الواسعة إلى أرض مغطاة بالبقع البنية والبنفسجية التي تحمل رسائل متعددة لأهل الأرض عن عاداتنا وتقاليدنا، ليس فيها رسالة واحدة لا تخجلنا.