العضو الخارجي الوحيد الذي يعمل بدوام إضافي خارج ساعات العمل هو الفم ربما ليس في جميع المجتمعات لأنه لابشر غيرنا يقتاتون العشبة الخضراء الراقصة على أصابع المفلسين والمترفين على حد سواء برغم الأمراض الباطنية الكثيرة التي للقات فيها نصيب الأسد، بل أمراض اللثة التي تجعل بين الزوجين تحديداً جداراً من العزلة العاطفية الفاصلة للحوار والفراش، وبالرغم من سلبياته الاقتصادية التي تصبغ ثوب العائلة بالمزيد من الفاقة والفقر إلا أن للقات مصدر دخله الذي لاينضب وجلسته التي لاتنفض ومتكأه الذي لاتشوبه شائبة . للقات طقوسه وفروضه وقوانينه التي لايجب أن يتعداها أحد، لايجب أن تأكل شيئاً من الطعام إذا كان الجميع في حضرة القات يمكن أن تؤجل صلوات وتؤخر صلوات، لايمكن أن تبرم اتفاقيات أو تفض خصومات ومنازعات إلا إذا حضر القات له في الولائم اعتباره وفي المناسبات الخاصة أسراره، قبلة الحائر عن دربه، البعيد عن ربه، له في كل عرسٍ قرص غيّر عناوين حياتنا بدل بدهائه أحوالنا ترانا على أرصفة الشوارع جاثمين وبأفكارنا مسترسلين نبني ونهدم نخص ونعمّم نهذي هذيان التائه في صحراء بعيدة، دخل بين الأزواج ففّرقهم بين الإخوة فمزقهم بين الشركاء فأخسرهم استشرى وانتشر وتطاول واستعر كم قدّم إلى ساحة الإعدام بشر، وكم اهلك من دون أن ندري صور، له أسواقه وأذواقه أشكاله وألوانه أسعاره وأوزانه حين حاولوا تأمين سعره بالسرقات وتجاوز العقبات والسير وراء المغريات والتفاخر به على أعلى المستويات. وبعد فماذا نقول في وصف الشجرة الملعونة التي أخرجت اليمن واليمانيين من جنة الحقل والمحصول إلى صحراء اللامعقول من سنبلة المدرجات الزراعية إلى قنبلة الأمراض الاختيارية، سقطنا بتعاطيه من قمة الهرم الإنساني إلى أسفله وانحدرنا بزراعته من آخر الفقر إلى أوله، أفسد الشباب والكهول وصار في حكم الكحول مادام قد بدد المال وشرد العيال وغير الأحوال ودفع بالناس إلى الذل والإذلال لم ينظمه قانون ولم يكترث لخطره غادون أو باقون، أصحاب الكراسي لايشعرون بالمآسي وأصحاب الأرصفة لم يجدوا في إدمانه تكلفة، وقروه ورفعوا من شأنه حتى كاد يكون حاكمهم وصاحب الحل والربط فيهم، لافرق في شكله ولونه عن مطعم الحيوان ولاخوف عند اجتراره من سخط الرحمن لو كان بإمكانهم أن يجعلوه الطعام والشراب لفعلوا ولو استطاعوا أن يجففوه ويعلبوه أو يحشوه ويخللوه أو يصنعوا منه البسكوت الأخضر وشراب القات المعتق ماتوانوا عن ذلك، تعددت لأجله الفنون وصار العقل ضرباً من الجنون. أيها الشعب الذي يقوده الجهل قطعانا إلى مشارف المدينة المحرمة ماذا بقي من كرامتنا وعزتنا وصلابة رأينا وسلامة معتقدنا إذا تفشى هكذا البؤس فينا، إذا تمكن اليأس منا إذا توارى النور عنا إلى متى نعيش هكذا عيش البهائم.. صدقوني لم تعد تكفي لتغطية الرؤوس عمائم.