يستقبل المسلمون بعد أيام قليلة شهر رمضان المبارك بالسعادة والمسرات، فهو شهر الرحمة والمغفرة والرضوان. يتساوى الناس فيه بعبادة الصيام الذي فُرض عليهم؛ فلا طعام ولا شراب ولا نكاح نساء من حين طلوع الفجر إلى غروب الشمس كل يوم. وقد خاب فيه من حمل ظلما، وخسر وتعس من خالف فيه أمر رب العباد. ورمضان هو العبادة الوحيدة التي جاء فيه الأمر بالأداء، وخاطب هذا الأمر المؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام). وهو أمر تشريف، لكأن الله إنما ألقى هذا الأمر على الذين صدق إسلامهم وإيمانهم لما في الصيام من تعب ومشقة وعنت وبلاء واختبار. ولأن كثيرين من المسلمين قد غيّروا كثيراً من المعاني الجليلة الخطيرة إلى أخرى بسيطة ومفرغة الدلالة، فإن رمضان بجلالة قدره وعظم خطره قد تعرض هو الآخر كعبادة إلى مجرد زمن، يحتفي فيه بعض الناس بالطعام والشراب. وكأنهم كانوا سجناء في مكان لا طعام فيه ولا شراب، حتى إذا ما جاء رمضان، أطلق سراحهم؛ فأقبلوا على الطعام والشراب إقبال الجائع النهم، فيملأون بطونهم، وربما من حرام!!. فشُغلوا عن العبادة، وتركوا التراويح والتسابيح، حتى إذا ما عاد لهم شيء من النشاط انصرفوا عن ذكر الله والصلاة إلى مسلسلات تلفازية، يقلبون أبصارهم بالتفاهات، ويتابعون بشغف الإثارات، وهكذا حتى مطلع الفجر. إن رمضان إنما هو عيد للمؤمن يتقرب بلحظاته وساعاته إلى خالقه، فيُقبل على العبادة، ويخفف من الطعام والشراب لينشط لذكر الله، ويتلمس أصدقاء الفضيلة، فيجتمعون على الحق يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، ويقرأون حديث رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، ويذكرون الله، ويدرسون عبر التاريخ وسالف المواعظ فتتنور قلوبهم وعقولهم ؛ حتى إذا ما انتهت ليالي رمضان المبارك استحقوا جائزة الرحمن، وهي حسن القبول. نسأل الله الجنة، ونعوذ به من النار.