اكتشاف الكهرباء أحدث نقلة في حياة الإنسان وفي وعيه وثقافته بدءًا من المصباح الكهربائى وانتهاءً بأجهزة الحاسوب وما نتج عنها من تدفق للمعلومات والمعرفة والتواصل بين مختلف الثقافات العالمية. لأجل ذلك اتجهت جميع دول العالم - كلاً بحسب إمكاناته وقدراته - إلى توليد الكهرباء بوسائل مختلفة والوصول إلى مرحلة الاكتفاء، والبعض يصدّر الكهرباء لدول الجوار، والبعض الآخر عمل على إيجاد شبكات ربط كهربائي لأكثر من دولة؛ مستفيدين من إمكانية توفير الطاقة الكهربائية النظيفة التي لاتلوث البيئة. هذا الاهتمام المتزايد في توفير الكهرباء نابع من الأهمية التي تمثلها الكهرباء في التنمية الاقتصادية لأية دولة مما جعل منها أساساً لتدفق الاستثمارات لأي بلد، وهو ما كشف عنه أحدث التقارير الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار والذي قال : إن عدم توفر الطاقة الكهربائية في اليمن سبب رئيسي لإحجام الكثير من رؤوس الأموال من الاستثمار في اليمن وخاصة في جانبه السياحي. إذا ما أرادت أية دولة في العالم أن تتحول إلى دولة صناعية فإنها تعمل على توفير البنية التحتية اللازمة لإنجاح هذا التحول، والكهرباء في مقدمة الخدمات الأساسية اللازم توفرها، وخلال أقل من نصف قرن من الزمن هو عمر الثورة اليمنية كانت الكهرباء هماً أساسياً لكل الحكومات المتعاقبة قبل الوحدة وبعدها ، إلا أن الجميع أهتم بمسألة الإمدادات والمفاخرة بإيصال الشبكة الكهربائية إلى مناطق جديدة ولم يهتم أحد بزيادة حجم التوليد الكهربائي وكأن الأسلاك الكهربائية تنتج الطاقة بنفسها. وتم فتح الباب واسعاً للشخصيات الاجتماعية والمتنفذين للتنافس على إيصال الأسلاك الكهربائية كلاً إلى منطقته والتسابق على الحصول على الكابلات والأسلاك والعدادات من مخازن مؤسسة الكهرباء في ظل عدم قدرة المسئولين على الكهرباء إيقاف هذا العبث، رغم إدراكهم أن الطاقة التوليدية للكهرباء المتوفرة لاتستوعب التوسعات الجديدة وعدم قدرتهم على إقامة مشاريع كهربائية جديدة تستوعب كل هذه التوسعات؛ لأن ذلك أكبر من قدرات مؤسسة الكهرباء خارج نطاق مسئولياتها. غياب الرؤية المستقبلية والتخطيط الشامل أوصل بعض المشاريع الخدمية إلى نقطة الفشل. الإطفاءات الكهربائية وصلت إلى درجة لم يعهدها أحد على مر السنوات السابقة وأزمة المياه طالت الجميع، مناطق الوفرة المائية قبل مناطق الشح المائي. الزيادة في النمو السكاني والتوسع العمراني لاتقابله أية زيادة في حجم توليد الطاقة الكهربائية ولا أية زيادة في حجم إنتاج المياه سواءً من الآبار أو من تحلية مياه البحر. هل يستطيع أحد في وزارة الكهرباء أن يقول كم زاد حجم التوليد في الطاقة الكهربائية خلال العقدين الماضيين وهل تتناسب هذه الزيادة - إن وجدت - مع النمو السكاني والعمراني؟! إشارة أن تعجز وزارة الكهرباء عن توليد الكهرباء ويتعذر الوفاء بالمواعيد التي حددتها سلفاً بتشغيل مأرب «1» لأكثر من مرة ولأسباب متعددة فهذا أمر لا يمكن تفهمه رغم ما به من سلبيات، أما أن تعجز عن جدولة مواعيد الإطفاء لكل المناطق فهذا أمر لا يمكن قبوله أو التصديق به؛ لأن الأمر يتعلق بعمل إداري إلا إذا كانت الوزارة لاتمتلك الكفاءات الإدارية القادرة على عمل جدول توزيع الإطفاءات الكهربائية، وهذا أيضاً مستحيل، فهل نصدّق الشائعات التي تقول عن مهادنة بين تجار الشمع وتجار المواطير وبعض المتحكمين بالكهرباء لتحقيق مآرب أخرى. هل يعلم الأخ وزير الكهرباء كم يتكبد الاقتصاد الوطني من خسائر جراء استيراد الشمع واستيراد المواطير، وكم تستهلك هذه المواطير والمولدات من البترول والديزل المدعوم من خزانة الدولة، وهل يعلم كم هي الخسائر التي يتكبدها المواطن من تعطيل الأجهزة الكهربائية المنزلية بسبب الإطفاء المفاجئ للتيار الكهربائي وتأثير ذلك على الاقتصاد الوطني؟! ندم قبل سنوات دفعت المنافسة السياسية بين أحزاب وسياسيين إلى إيصال الأسلاك الكهربائية إلى عزلة الثوابي ومنها قريتي الجميلة المعلقة على رأس جبل نامة المقابل لجبل التعكر حينها باع عمي الماطور الذي كان يغذي القرية بالكهرباء ويستخدمه في توليد الكهرباء للطاحون، حينما أشار عليه البعض أنه لاداعي له بعد وصول الكهرباء.. اليوم لا كهرباء ولا دقيق كما قال لي, كانت الكهرباء تضيء من الساعة السادسة حتى الساعة الثانية عشرة مساءً وينام الجميع، اليوم الكهرباء تنطفئ مساءً وتضيء بعض الوقت من النهار، فماذا يستفيد من أوصلتم إليهم الأسلاك أيها السياسيون؟!