بالأمس القريب لم نجد مفراً من مخاوف أن يبطش الغرب بنا بتهمة التطرف والإرهاب سوى أن نغرق في الحديث عن «حوار الحضارات» ونقدمه على كل همومنا الوطنية، ومن فيض مبالغتنا في اظهار اعتدالنا حرم أئمتنا علينا حتى الدعاء على اليهود والنصارى في صلاتنا. لقد أمضينا أعواماً ونحن نصغي للغرب الذي لايتوقف عن الخوض في فقرنا وجهلنا، ومعدلات البطالة في مجتمعاتنا، وفساد حكوماتنا، وغيرها من الأمور التي يجعلها أسباباً لنشأة التطرف والإرهاب في مجتمعاتنا، وظل دائماً يدعونا إلى ترسيخ الديمقراطية والحريات للتحرر من مشاكلنا.. ومع أننا أخذنا بكل نصائح الغرب لكننا اليوم نقف عاجزين عن تفسير تنامي التطرف والإرهاب في المجتمعات الغربية، وخاصة الموصوفة منها ب«دول الديمقراطيات الراسخة» و«الدول الصناعية» أو «الثرية» و«الاكثر تحضراً». مؤخراً بدأت الكثير من الدول الغربية تعيش هوساً مناهضاً لحجاب المرأة المسلمة اشعلت فرنسا شرارته الأولى قبل ما يزيد عن أربعة أعوام حين بدأت بمنع الحجاب داخل المدارس، ثم في المؤسسات الحكومية، حتى امتد الأمر إلى بعض مؤسسات القطاع الخاص.. ثم لتنتقل عدوى معاداة الحجاب إلى العديد من دول العالم الأخرى خاصة الأوروبية. لكن خلال الأشهر القليلة الماضية من العام الجاري دخلت الحرب على الحجاب أخطر مراحلها، إذ ظهرت بوادر جادة لتقنينها حيث أن فرنسا تدرس تشريعاً جديداً يحرم ارتداء الحجاب ضمن أطر محددة.. لكن في ايطاليا بدأت منظمات مدنية تتبنى تنظيم المسيرات والتظاهرات المناهضة للحجاب.. والضغط على الحكومة لاصدار قانون يمنع ارتداء الحجاب، وهو ما يتداوله هذه الأيام البرلمان الايطالي.. أما في كندا فقد تبنت المهمة «منظمة المؤتمر الكندي المسلم» والتي باشرت الأسبوع الماضي مطالبة الحكومة بإصدار قانون يمنع ارتداء الحجاب، متذرعة بأنه «تقييد لحرية المرأة». الحرب على الحجاب تتسع، وتكاد تشمل الغالبية العظمى من البلدان الأوروبية وتتجه حالياً إلى بلورة التحالفات بين المناهضين للحجاب في دول مختلفة، غير أن مفاجأة الموسم لم تأت من هذه الدول، بل من مصر حيث منعت طالبات الأزهر من ارتداء الحجاب داخل الفصول.. لذلك عندما اعقبته المغرب بقرار مماثل كان الوقع خفيفاً على النفوس طالما وأكبر مناهل العلم الإسلامية «الأزهر» سبقها بالقرار. ربما لا نتوجس قلقاً كبيراً عندما تصدر دعوات منع الحجاب من منظمات أو جماعات معنية لكن عندما يدخل البرلمانات وأ جندات الحكومات فإننا ندق ناقوس الخطر لانه تحول إلى سياسة حكومية وعمل منهجي.. ولانه أيضاً يجعلنا نعيد كل حساباتنا حول طبيعة الديمقراطية والحريات التي يمارسها الغرب، وإلى أي مدى تؤمن دوله حرية العبادات، واحترام الأديان، وحوار الحضارات. بالأمس كثير من الأصوات الثقافية أكدت ان ممارسات الغرب بحق المسلمين، وما تشهده الأراضي الفلسطينية من مجازر وانتهاكات، وغيرها من دول العالم الإسلامي، هي التي كانت وراء نشوء التنظيمات والجماعات المتطرفة الداعية للاعتداء على الأجانب، تحت ذريعة «الثأر للضحايا» واليوم نكرر نفس ذلك المعنى.. ونحذر من ان اتساع الحرب الدولية على الحجاب لابد أن يوُلِّد ردود فعل متطرفة، ولابد أن يستغله المتطرفون لاستقطاب الشباب في تنظيماتهم الإرهابية، وحينها كلنا سندفع الثمن غالياً.