الوصف العام لزرقاء اليمامة بحسب تواتر الأخبار يتلخّص في كونها من نساء العرب البائدة.. يمانية من منطقة اليمامة بوسط الجزيرة العربية، وأنها كانت نموذجاً للجمال المقرون بالحكمة والرزانة، وكان أجمل ما فيها عينيها الثاقبتين اللامعتين ذكاء وفطنة، غير أن السبب الذي حوّلها إلى ظاهرة أسطورية يتلخّص في قدرتها الاستثنائية على الإبصار.. فلقد كانت ترى المشاهد من على بعد ثلاثة أيام سيراً في الصحراء، وبغض النظر عن معقول اللا معقول في هذا الكلام؛ إلا أن المعروف والمؤكد أن إنسان الصحراء والطبيعة المفتوحة تميّز حصراً بقدرات استثنائية.. والشاهد هو إن تلك الطبيعة القاسية كان لها كبير الأثر في انتقاء السلالات البشرية والحيوانية وفق ما ورد في نظرية «الاصطفاء الطبيعي» الذي قال بها عالم البيولوجيا الشهير «داروين». في تاريخ العرب الصحراويين ظواهر مشابهة لحالة زرقاء اليمامة، فقد عرفت جزيرة العرب عدّائين يسابقون الخيل، ويقطعون الفيافي والقفار في رابعة من نهار، وآخرين أقوياء يتميزون بضخامة الجسد المقرون بالقوة والرشاقة، فقد كان الواحد منهم يتسلّى بأكل ذبيحة كاملة كما ورد في بعض الأخبار. كانت زرقاء اليمامة من هذا الفصيل الذي خرج من تضاعيف الصحراء ومحارقها، وكانت بمثابة قلعة الاستطلاع المتقدم في قومها، وكانوا يعتمدون على استسبارها للقادم من عمق الصحراء حتى جاء يوم أنكروا عليها فدفعوا الثمن غالياً. تتلخّص القصة في أن مُهاجمين لمنطقة زرقاء اليمامة اعتمدوا حيلة مُبتكرة من خلال التمويه حتى يتسنّى لهم مهاجمة مرابع اليمامة في ليل بهيم، وكانت الحيلة أن يتدثّروا بأوراق ولحاء الشجر حتى لا تميز زرقاء اليمامة بينهم والشجر!!. غير أن الرائية الحاذقة أدركت أن تلك الأشجار تتحرك من مكانها، وأبلغت قومها بأنها ترى أشجاراً تتحرك باتجاه مرابع القبيلة، فسخر منها القوم، واعتبروا أن الشيخوخة والخرف قد أدركها، وأنها لم تعد ترى كما كانت، وأنه لا يُعقل أن تتحرك الأشجار من مكانها. تالياً قام المهاجمون بمداهمة القبيلة والنيل منها لأنهم لم يصدقوا رؤية زرقاء اليمامة لمرة واحدة فدفعوا الثمن غالياً. الأكثر أهمية في سيرة زرقاء اليمامة يكمن في توازن "إنسان ما قبل الحضارة المادية" ذلك التوازن الجسدي الروحي الذي تحدث عنه ابن خلدون في مقدمة تاريخه ،عاقداً مقارنة طريفة بين حيوانات البراري والمدن، قائلاً بأن حيوانات البراري تتميز بالرشاقة والقوة والسرعة والانتباه والحذر، فيما تكون حيوانات المدن كسولة، ثقيلة الأجساد، بليدة الغرائز!!. والشاهد أن ابن خلدون أراد أن يعقد مقارنة موازية وضمنية بين إنسان الصحراء والبراري وإنسان المدينة المترف الكسول الخامل. زرقاء اليمامة نموذج مثالي لمن صقلته الطبيعة وأمعنت في دربته وترويض ملكاته، وهي ليست الوحيدة التي تمتّعت بهذه الخصال وإن كانت جرت مجرى الأمثال في آداب العرب.