من بوابة الملف الأمني.. إخوان اليمن يحاولون إعادة الصراع إلى شبوة    النعي المهيب..    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    متهم بجريمة قتل يسلم نفسه للأجهزة الأمنية جنوبي اليمن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    رسالة تهديد حوثية صريحة للسعودية .. وتلويح بفشل المفاوضات    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    توحيد إدارة البنك المركزي في صنعاء وعدن.. خبير مصرفي يكشف عن حل مناسب لإنهاء الأزمة النقدية في اليمن    الذكرى 51 لجريمة قتل الدبلوماسيين الجنوبيين بتفجير طائرتهم في حضرموت    زيود الهضبة يعملون على التوطين في مأرب وسط ويحابون كوادرها المحلية    برفقة حفيد أسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي".. "لورين ماك" يعتنق الإسلام ويؤدي مناسك العمرة ويطلق دوري الرابطة في السعودية    وزير الدفاع يؤكد رفع مستوى التنسيق والتعاون بين مختلف الوحدات والتشكيلات العسكرية لهزيمة الحوثيين    جماعة الحوثي تفاجأ سكان صنعاء بهذا القرار الغير مسبوق والصادم !    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    حزامٌ ذهبيٌّ يُثيرُ جنونَ لصٍّ: شرطةُ سيئون تُلقي القبضَ عليهِ بتهمةِ السرقةِ!    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    روما يسعى لتمديد إعارة لوكاكو    الحوثيون يتلقون ضربة موجعة بعد رسالة قوية من الحكومة اليمنية والقضاء    السفير السعودي يبحث مع بعثة الاتحاد الأوروبي "خارطة الطريق" ومستجدات الأزمة اليمنية    "لا تلبي تطلعات الشعب الجنوبي"...قيادي بالانتقالي يعلق على رفض مخرجات لقاء الأحزاب    شاهد...عمار العزكي يُبهر جمهوره بأغنية "العدني المليح"    انقلاب مفاجئ.. الانتقالي يوجه ضربة قوية للشرعية ويهدد بالحرب بعد يوم تاريخي في عدن.. ماذا يحدث؟    أول تحرك يقوم به أبو زرعة في عدن بعد وصول العليمي مأرب    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    دوري ابطال اوروبا: الريال يتجاوز جحيم الاليانز ارينا ويفرض التعادل امام البايرن    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    بيان الرياض يدعو الى اتخاذ خطوات ملموسة لحل الدولتين وإيقاف فوري لإطلاق النار في غزة    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توظيف حكاية الحيوان في رواية " ياطالع الفضاء " للروائي عبدالله سالم باوزير
نشر في رأي يوم 24 - 04 - 2009

إلى اتحاد كتاب حضرموت بمناسبة صدور كتاب " آفاق " الثالث, والخاص بالأديب عبد الله سالم باوزير.
يذهب أغلب الدارسين إلى أن حكايات الحيوان " هي المصدر الأم أو الأصل التي منها انحدرت الخرافات " (1) ، وحين حاولوا الكشف عن علاقتها بالأساطير
" كادوا يجمعون على أن حكايات الحيوان موجودة في جذور ما يطلق عليه الآن الأساطير " (2) ، بل إنها ( أكثر قدماً وبدائية منها . إذ أنها كانت وعاء لشرح وتقديم الأفكار والمعتقدات "(3) ،كما " وأنها ترجع إلى مراحل التوحش والبربرية
والطوطمية " (4) . وقد اختلف الدارسون في تحديد موطنها الأول , فمنهم من رأى
" أن الهند قد احتضنت قصص الحيوانات منذ تاريخ مبكر وأنها نمت هذا النوع من القصص وطورته " (5) ، ومنهم من اعتقد أنها " نشأت في بلاد الإغريق " (6) . وعلى حين يرى الكسندر كراب (7) أن الفابولا انتقلت من الشرق السامي إلى بلاد اليونان والهند , يرى فاروق خور شيد أنها " عربية الأصل استعانت بالتراث العالمي القديم المعروف آنذاك لتدخل باب التراث العالمي الحديث " (8) .
ويُدرج هذا النوع من الحكايات في باب الحكاية الخرافية , ويطلق عليه اسم ( الفابولات ) " وهي أسماء تطلق اصطلاحياً على الحكاية الخرافية التي تخلع على الحيوان خصائص بشرية فتتصرف كالإنسان وتنطق الحكمة التي تُخفى أحياناً كثيرة على الإنسان نفسه " (9) . فقد ظهرت تحت وطأة الظروف السياسية والاجتماعية " قصص توسلت الحيوانات للإشارة إلى أولي الأمر , وللتحدث بحرية بدون التعرض لبطش السلطان , وليجمعوا إلى جانب التسلية العمق الفكري الذي يزداد القارئ إدراكاً له كلما زاد علماً " ( ) ، ولعلّ ( كليلة ودمنة ) لا بن المقفع فاتحة هذا النوع من النقد القائم على الرمز الذي يعد " من أهم وأخطر صور العمل الشعبي عند كل الشعوب وفي كل الأزمان " ( ) . و" ممن نسج على منوال كليلة ودمنة إخوان الصفاء في محاكمة الإنسان والحيوان أمام ملك الجان في مرافعة بين الخصمين بث فيها إخوان الصفاء آراءهم في الإنسان والحيوان , وأفكارهم الفلسفية العامة " ( ) وأغلب هذا اللون من الحكايات يدخل في باب الحكمة " ولذلك تغلب عليه النزعة التعليمية الوعظية , فهو دروس في الحياة تعلمها الإنسان بممارسته لمختلف ألوانها , ويحاول بهذا القصص على ألسنة الحيوان أن يعلم سواه على ألسنة الحيوان " ( ) .
اقتحمت حكاية الحيوان عالم الرواية لما تحمله من رصيد رمزي كبير , يمكن للروائي الفنان أن يوظفه في أعمال روائية معاصرة . وتعد رواية ( يا طالع الفضاء ) للكاتب عبد الله سالم باوزير محاوله رائدة في هذا المجال . وسيقف البحث على هذه الرواية من أجل إبراز جماليات التوظيف الفني لهذا النوع من الحكايات في الرواية اليمنية .
صدرت رواية (يا طالع الفضاء ) للروائي عبد الله سالم باوزير عام 1995م . وتتلخص هذه الرواية في أن حواراً دار بين بطل الرواية - أثناء تناوله القات - وبين حمار حول تسخير سائر الحيوانات للبشر وأفضليتهم عليها , وانتهى الحوار بينهما إلى الاتفاق على تحول كل واحد منهما إلى شخصية الآخر , وتمت العملية الجراحية التي بواسطتها تحول عادل ( بطل الرواية ) إلى هيئة حمار , وتحول الحمار إلى شكل عادل الإنسان , ويعيش عادل - متقمصاً شخصية الحمار - ليكشف من خلالها بعض سلبيات وعيوب المجتمع , كالخيانة الزوجية , ونهب المال العام, والاستغلال , وقضايا المحاكم , وغيرها من الممارسات الخاطئة , التي لولا هيئته الجديدة ما تسنى له معرفتها .
أما الحمار الذي تحول إلى هيئة إنسان فقد مارس حياة عادل ونشاطه, فشاهد ما يجري في فلسطين على شاشة التلفاز , وشارك في طابور اللحم والخبز الذي يمارسه الناس كل يوم . ونتيجة للضغوط النفسية والعصبية التي تلقاها بسبب تلك المشاهد التي عاشها مع بني البشر, يصاب الحمار ( المتقمص شخصية عادل) بمرض الضغط والسكري , فينقل إلى المستشفى لتلقي العلاج . وبعد خروجه من المستشفى , وأثناء سيره في الشارع يدخل إحدى المباني تبين له عند خروجه منه أنه مبنى سفارة ، فيقبض عليه ويقاد للتحقيق بتهمة العمالة , ثم يحال إلى المصحة بعد تدهور صحته نتيجة الضرب الذي تعرض له أثناء التحقيق ، وبواسطة أحد مرضى المصحة الذي كان قد عرف القصة سابقاً يلتقي عادل بصاحبه الحمار ويتشبث الحمار برقبة عادل فزعاً من حياة البشر وخشيةً من رجوعه إليها . وبعد إجراء العملية الجراحية وعودة كل واحد منهما إلى طبيعته وهيئته السابقة يصبح عادل مطلوباً لدى أجهزة الأمن ، ولكنه تظاهر بالجنون عند رؤيته لأفراد الأمن ؛ ليدخل المصحة ويكشف في الفترة التي قضاها بين المرضى عن الأسباب التي دفعت كثيراً منهم لدخول المصحة وعند خروجه منها يلتقي عادل بصاحبه الحمار في البوابة , ويعرف بواسطة عامل المصحة أن صاحبه الحمار قبض عليه بتهمة الحديث في السياسة .
عالم الحيوان - كما صورته الحكاية الخرافية - حافل بالغرائب التي تصورها الخيال الشعبي ف" للحيوان في الحكاية الخرافية وظيفة ذات صور متعددة . فمرة يظهر بوصفه حيواناً روحياً ومرة أخرى يكون عدواً للإنسان , كأن يكون أفعى شريرة أو تنيناً أو دودة شجرة الزيزفون , أو تجسيداً للشر بصفة عامة . وفي ظروف أخرى يظهر الحيوان بوصفه مساعداً للإنسان " ( ) 0 ولم يكن عالم الحيوان - في القصص الشعبي - منفصلاً عن عالم البشر , فقد تصور الإنسان الشعبي أن العلاقة قائمة بين هذين العالمين , وتتجلى هذه العلاقة في أنماط ثلاثة هي :-
1- تحول الإنسان إلى حيوان .
2- المناظرة بين الإنسان والحيوان , والحَكَم فيها الجن .
3- المناظرة بين الحيوان والحيوان , والحَكَم فيها الإنسان , ففي نهاية رسالة
(التوابع والزوابع) يصبح ابن شهيد حكماً بين بغل وحمار شاعرين , ثم يحاور أوزة محاورة أدبية فيغلبها ( ) .
وترتكز روايتنا على النمطين الأولين من الأنماط الثلاثة المذكورة . فالنمط الأول القائم على تحول الإنسان إلى حيوان , أو ما يعرف عند القاص الشعبي بالمسخ, فيرد بكثرة في خرافاتنا العربية , لاسيما ألف ليلة وليلة. إذ يرد في حكاية التاجر والعفريت حين يجتمع ثلاثة شيوخ يصطحب أحدهم غزالة والثاني كلبتين , والثالث بغلة , ويتبين بعد ذلك أن الغزالة امرأة ممسوخة , هي ابنة عم الشيخ الأول , وأن الكلبتين أخوا الشيخ الثاني , أما البغلة فهي زوجة الشيخ الثالث , وقد مسخوا جميعاً جزاءً على أعمال سيئة ارتكبوها( ) .
وخاصية المسخ أو ما يعرف أحياناً بالمساخيط " ليست بقاصرة على تراثنا الفولكلوري العربي بل هي ملازمة للسحر كملمح عالمي , أو هو قاسم مشترك لموروثات العوالم القديمة في عمومها " ( ) .
ويتمثل هذا النمط من العلاقة بتحول بطل الرواية بواسطة العملية الجراحية - إلى هيئة حمار , ويكشف الحوار الذي دار بين عادل - المتقمص شخصية الحمار وإحدى شخصيات الرواية عن وسيلة هذا التحول .
" لا تخف أنا آدمي مثلك تماماً , ولكن في هيئة حمار .
قال وهو يرتجف من الخوف :
بسم الله الرحمن الرحيم , أنت عفريت ؟!
لا . أنا آدمي .
وهل تريد أن تقول أنني الذي أتخيلك في صورة حمار .
لا . أنت طبيعي , ولكنني أنا الذي أبدو في هيئة حمار .
تعني أنك آدمي مسحور .
لا . زمن السحر انتهى .
وبماذا تفسر وضعك هذا .
العلم " ( ) .
فالملاحظ أن وسيلة التحول عند الكاتب اختلفت عما هو سائد في الممارسات الشعبية. وهذا يعد تصرفاً من الكاتب في الجزئية الشعبية , إذ من المعروف أن السحر إحدى الممارسات الشعبية , الذي يتم بواسطته مسخ الإنسان وتحويله إلى حيوان , كما يستخدم أيضاً في إعادة الممسوخ إلى هيئته السابقة .
ومن صور تصرف باوزير في الجزئيات الشعبية أنه وظف عملية المسخ على نحو يخالف وظيفته في القصص الشعبي , فالمسخ في الليالي , أو في القصص الشعبي بصفة عامة " يهدف إلى شل حركة الإنسان وشل وظيفته " ( ) . أما عند الكاتب فالمسخ يؤدي إلى المعرفة واكتشاف ما لم يكتشفه الممسوخ في هيئته السابقة , ولا يعدو المسخ في الرواية أكثر من تغير في شكل الممسوخ . كما أن الدافع إلى المسخ في الرواية هو رغبة الممسوخ في المعرفة , وهو مالم يرد في القصص الشعبي ؛ التي ترى أن المسخ عمل عدواني غالباً ما تقوم به الشخصية الشريرة ضد ضحيتها , أو أنه عقاب للممسوخ على ذنب اقترفه .
ومن الجدير ذكره أن هذه الرواية تشبه إلى حد بعيد حكاية يونانية تدعى " الحمار الذهبي " وتتلخص في أن لوسيوس يذهب عند ساحرة , فيطلب منها أن تطليه بدهان ليصير مخلوقاً آخر , فتعطيه دهاناً يتحول به إلى حمار , ويقع في أيدي كثير من الناس , من اللصوص وسواهم . ويقاسي الجوع وضربات العصا , ويطلع على ضروب الفسق والعار . ثم يعود إلى حالته الأولى على يد كاهن للآلهة (إيزيس) ويشيد بإيزيس ودينها . وبعد التحول إلى إنسان تصير آراء المؤلف واضحة كأنه يتقمص في خياله ذلك الحمار , فيهجو العادات والتقاليد " ( ) .
أما النمط الثاني القائم على المناظرة بين الإنسان والحيوان , فقد ورد
ما يماثله في رسالة ( تداعي الحيوان على الإنسان ) وهي الرسالة الثانية والعشرون من رسائل أخوان الصفاء وخلان الوفاء . وتحكي قصة جماعة من الإنس طرحت العاصفة سفينتهم إلى جزيرة ملك الجن المسلم , فنزلوا لأغراضهم , غير أن الأنعام والبهائم نفرت منهم , وحين علمت إصرارهم على تسخيرها , واعتقادهم أنها عبيد لهم , شكت أمرهم إلى ملك الجن ( بيوارسب ) فأرسل في طلب جماعة الإنس , وبعد أن أكرمهم سألهم عن سبب نزولهم جزيرته , وإصرارهم على تسخير الحيوانات , فبسطوا حجتهم التي فندها البغل زعيم الأنعام والبهائم , وبعد أخذ ورد رأى ملك الجن - بعد مشاورة وزيره - أن يوسع نطاق الشورى , فاستدعى الملك من الجن القضاة والفقهاء والحكماء , وأهل الرأي والتجارب من أجل الوقوف على هذه المشكلة . وفي الوقت الذي يجتمع فيه الإنس ويفكرون في حيلة تمكنهم من الحيوانات , تجتمع الأنعام والبهائم وتقرر ضرورة الاستعانة ببقية أجناس الحيوان, فترسل رسولاً إلى كل جنس لينيب عنه رسولاً يتحدث عنهم . وفي اليوم التالي يعقد المجلس، ويقعد الملك لفصل القضاء، وإلى جواره فقهاء الجن وقضاتها وحكمائها. وبدأت المناظرة الجماعية بين الحيوان والإنسان، وكلما أدلى طرف بحجته ، فنّدها الطرف الآخر. ورغم التفوق الواضح للحيوانات أثناء المناظرة , فإن جماعة الإنس حسمت المناظرة لصالحها في اليوم الأخير بخصلة واحدة تجب ما سواها من الخصال , وهي الخلود , فالحيوانات حين تموت ينتهي مصيرها , أما الإنسان فإنه يخلد إما في جنة أو نار , وقد يتخلص من النار بشفاعة الأنبياء والمرسلين . وهنا تُفحَم الحيوانات بهذه الحجة التي ساقها الإنس , فيقضي الملك بأن تكون الحيوانات جميعاً تحت إمرة جماعة الإنس , وتقبل الحيوانات بذلك راضية ( ) .
هذا النمط من العلاقة القائم على المناظرة بين الإنسان والحيوان نلمسه في الحوار الدائر بين بطل الرواية والحمار في مواضع متفرقة من الرواية , إذ يدور قسم منه حول مسائل تسخير الحيوانات للإنسان , وأفضليته عليها , وغيرها من المسائل التي وردت في رسالة ( تداعي الحيوان على الإنسان ) لإخوان الصفاء . أما القسم الآخر من الحوار فيتعرض لقضايا معاصرة , استخدم الكاتب أسلوب الرمز للتعبير عن رأيه فيها . من تلك القضايا عادة تناول القات في المجتمع اليمني , التي عرضها الكاتب بأسلوب حواري ساخر , يقول عادل – بطل الرواية – حين رأى الحمار يلتهم أوراق القات من أمامه :
" – ما باقي إلا الحمير تزاحمنا القات هذه الأيام .
ابتسم صاحبي وقال :
– ما أغرب ما أسمع ألا ترى أنكم معشر البني آدم زاحمتمونا في كل شيء حتى في العلف " ( ). وفي حوار آخر يقول الحمار عن ضحايا فلسطين الذين شاهدهم على شاشة التلفاز : " وهولاء الضحايا أليس لهم أخوة ؟
نعم لهم أخوة .
وهذا الذي يفعله أولئك القتلة , ألا يثير حميتهم والله لو حدث مثل هذا في الغابة لهب كل القطيع لنجدة إخوانه " ( ). ولا يخفى على القارئ ما يحمله هذا الحوار من نقد رمزي ساخر لموقف العرب تجاه ما يجري على أرض فلسطين .
وإذا كان القاص في رسالة ( تداعي الحيوان على الإنسان ) قد جعل من الرحلة والضياع في البحر مهاداً لالتقاء عالم الإنسان بعالم الحيوان , فلا غرابة أن يختار باوزير النشوة العارمة – التي تغمر مدمني القات أثناء تناوله – مهاداً لأحداث روايته . وهي إضافة واقعية ذكية للكاتب , إذ أن ما يثيره القات في مدمنيه من شرود ذهني وتيه فكري يجعلان الإنسان يحلق في عالم غير عالمه الواقعي, يتماس إلى حد ما مع الضياع والتيه في رحلات الحكاية الخرافية , وإن كان في الرواية تيهاً فكرياً (*) .
وتتكرر صور تصرف باوزير في الجزئيات الشعبية , ومن تلك الصور الإضافة إلى الجزئية الشعبية المأخوذة , وقد تمثلت في الرواية بتحول الحمار إلى هيئة بطل الرواية , إذ أن السائد في القصص الشعبي تحول الإنسان إلى حيوان لا العكس . ولعل الكاتب أراد بهذه الإضافة المبالغة في تصوير واقعه ، ذلك الواقع المليء بالعيوب والممارسات الخاطئة , التي لم يستطع الحيوان تحملها فضلاً عن الإنسان . فحين التقى الحمار بعادل قبل إجراء العملية وعودة كل واحد منهما إلى هيئته الطبيعية تشبث الحمار برقبة عادل خوفاً من أن يفلت منه فيعود إلى حياة البشر, التي لم يمض على وجوده فيها سوى أسبوع واحد فقط .
وأخيراً يمكن القول أن رواية ( يا طالع الفضاء ) للكاتب باوزير تنتمي إلى مرحلة ( التأثر الواعي بالتراث, وأن باوزير كان ناجحاً إلى حدٍ بعيد في توظفيه للتراث الشعبي عموماً ، ولحكاية الحيوان بصفه خاصة , ويكمن نجاحه هذا في استخدامه العنصر التراثي بدلالات معاصرة , إذ " أن جوهر التوظيف الشعبي هو في تحميل التراث دلالات معاصرة جديدة " ( ) . أمّا هدف الرواية فهو إدانة الواقع الذي يعيشه الكاتب , لذا حاول الكاتب أن يربط جميع عناصر التراث الواردة في الرواية بهذا الهدف , فجاءت العناصر التراثية أداة منسجمة مع هدف الكاتب في كشف المساوئ والعيوب التي يعيشها المجتمع .
هوامش
1- شوقي عبد الحكيم الحكاية الشعبية العربية دار ابن خلدون بيروت ط1 1980م ص 106 .
2- فاروق خور شيد أديب الأسطورة عند العرب عالم الفكر – الكويت – 2002م ص98.
3- شوقي عبد الحكيم موسوعة الفولكلور والأساطير العربية– دار العودة – بيروت – ط1 – 1982م ص 248 .
4- شوقي عبد الحكيم الحكاية الشعبية العربية ص 105 .
5- سهير القلماوي القصص الشعبي عالم الفكر – وزارة الإعلام – الكويت – المجلد الثالث – العدد 1 - 1972م .
ص 143 .
6- فرديش فون دير لاين ت : نبيلة إبراهيم الحكاية الخرافية – مكتبة غريب – القاهرة – د.ت ص 90 .
7- ينظر: فاروق خور شيد أديب الأسطورة عند العرب ص 132 , 133 .
8- ينظر:المرجع نفسه ص 113 .
9- ينظر: المرجع نفسه ص 100 .
10 - طلال حرب – أولية النص , نظرات في النقد والقصة والأسطورة والأدب الشعبي – المؤسسة الجامعية – بيروت – ط1 –
1999م – ص 51 .
11- فاروق خور شيد أديب الأسطورة عند العرب ص 97 .
12 - محمد غنيمي هلال النقد الأدبي الحديث – نهضة مصر – القاهرة –2001م ص 494 .
13 - علي عبد الحليم محمود القصة العربية في العصر الجاهلي دار المعارف مصر ط2 1979م ص 180 .
14 - فرديش فون دير لاين الحكاية الخرافية ص 86.
15 - ينظر: ابن شهيد الأندلسي التوابع والزوابع مؤسسة سعيد للطباعة والنشر تونس د.ت ص 92 102 .
16 - ينظر: ألف ليلة وليلة المجلد الأول دار الهلال , دار التيسير بيروت ط1 1997م ص 11 - 17 .
17 - شوقي عبد الحكيم الحكاية الشعبية العربية ص 144 .
18 - عبد الله باوزير يا طالع الفضاء مركز عبادي صنعاء اليمن ط1 1995م ص 26 .
19 - صبري مسلم أثر التراث الشعبي في الرواية العراقية الحديثة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر– ط1– 1980م
ص 59 .
20 - محمد غنيمي هلال – الأدب المقارن – نهضة مصر – القاهرة – ط 3 – د.ت – ص 199.
21 - ينظر: رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء – تحقيق / عارف تامر – منشورات عويدات – بيروت , باريس – ط1– 1995م -
الجزء الثاني ص 179 289 .
22 - الرواية ص 4 .
23 - الرواية ص 58 .
(*) يلاحظ أن أغلب الحكايات الخرافية تبدأ برحلات التيه والضياع . ينظر: رحلات السندباد ألف ليلة وليلة المجلد الثالث
ص 115 170 .
24- صبري مسلم أثر التراث الشعبي في الرواية العراقية الحديثة ص 60 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.