الرزامي يكشف عن فساد محسن في هيئة المواصفات بصنعاء    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    الاستخبارات العسكرية الأوكرانية تحذر من اختفاء أوكرانيا كدولة    حملات ضبط الأسعار في العاصمة عدن.. جهود تُنعش آمال المواطن لتحسن معيشته    في السياسة القرار الصحيح لاينجح الا بالتوقيت الصحيح    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    الرئيس الزُبيدي يوجّه بسرعة فتح محاكم العاصمة عدن وحل مطالب نادي القضاة وفقا للقانون    أحزاب حضرموت تطالب بهيكلة السلطة المحلية وتحذر من انزلاق المحافظة نحو الفوضى    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة نذير محمد مناع    إغلاق محال الجملة المخالفة لقرار خفض أسعار السلع بالمنصورة    لهذا السبب؟ .. شرطة المرور تستثني "الخوذ" من مخالفات الدراجات النارية    منع سيارات القات من دخول المكلا والخسائر بالمليارات    مناقشة قضايا حقوق الطفولة باليمن    موقع بريطاني: قدراتُ اليمن البحرية تكشف هشاشة الردع الغربي    الرئيس الزُبيدي يقود معركة إنقاذ الاقتصاد وتحسين قيمة العملة    عشرات الحقوقيين المغاربة يضربون عن الطعام احتجاجاً على التجويع الصهيوني لغزة    تكريمًا لتضحياته.. الرئيس الزُبيدي يزيح الستار عن النصب التذكاري للشهيد القائد منير "أبو اليمامة" بالعاصمة عدن    لاعب المنتخب اليمني حمزة الريمي ينضم لنادي القوة الجوية العراقي    رئيس الوزراء من وزارة الصناعة بعدن: لن نترك المواطن وحيداً وسنواجه جشع التجار بكل حزم    هيئة مكافحة الفساد تتسلم اقرار نائب وزير التربية والتعليم والبحث العلمي    عدن.. تحسن جديد لقيمة الريال اليمني مقابل العملات الاجنبية    اجتماع بالحديدة يناقش آليات دعم ورش النجارة وتشجيع المنتج المحلي    "القسام" تدك تحشيدات العدو الصهيوني جنوب خان يونس    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    المشايخ في مناطق الحوثيين.. انتهاكات بالجملة وتصفيات بدم بارد    الاتحاد الدولي للمواي تاي يفرض عقوبة على "إسرائيل" بعد إعدامها لاعب فلسطيني    استشهاد 22 فلسطيني برصاص وقصف الاحتلال أنحاء متفرقة من قطاع غز    خبير في الطقس: موجة أمطار قادمة من الشرق نحو غرب اليمن    أمواج البحر تجرف سبعة شبان أثناء السباحة في عدن    سون يعلن الرحيل عن توتنهام    وفاة وإصابة 470 مواطنا جراء حوادث سير متفرقة خلال يوليو المنصرم    محمد العولقي... النبيل الأخير في زمن السقوط    بتهمة الاغتصاب.. حكيمي أمام المحكمة الجنائية    لابورتا: برشلونة منفتح على «دورية أمريكا»    ماريت تفاجئ مولي.. وكيت تنتزع ذهبية 200    طفل هندي في الثانية من عمره يعض كوبرا حتى الموت ... ويُبصر العالم بحالة نادرة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    تقرير حكومي يكشف عن فساد وتجاوزات مدير التعليم الفني بتعز "الحوبان"    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    ذمار.. سيول جارفة تؤدي لانهيارات صخرية ووفاة امرأة وإصابة آخرين    وعاد الجوع… وعاد الزمان… وضاع الوطن    مأرب.. مسؤول أمني رفيع يختطف تاجراً يمنياً ويخفيه في زنزانة لسنوات بعد نزاع على أموال مشبوهة    لاعب السيتي الشاب مصمّم على اختيار روما    أولمو: برشلونة عزز صفوفه بشكل أفضل من ريال مدريد    تعز .. الحصبة تفتك بالاطفال والاصابات تتجاوز 1400 حالة خلال سبعة أشهر    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    لمن لايعرف ملابسات اغتيال الفنان علي السمه    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    وداعاً زياد الرحباني    اكتشاف فصيلة دم جديدة وغير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    7 علامات تدل على نقص معدن مهم في الجسم.. تعرف عليها    تسجيل صهاريج عدن في قائمة التراث العربي    العلامة مفتاح يؤكد أهمية أن يكون الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام أكبر من الأعوام السابقة    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الأسطورة والحكاية في تنمية مخيلة الطفل العربي وإثرائها


( رؤية مغايرة )
حتى لا يسوقنا إغراء العنوان إلى إعطاء أحكام عامة يدفعنا إلى التسليم المباشر بأدوار للأسطورة والحكاية في تنمية مخيلة الطفل العربي وإثرائه ينبغي أولا ًتقديم تعريف للأسطورة والحكاية وفك الاشتباك بينهما على افتراض وجود تداخل بين المفهومين لاسيما أن تعبير الأسطورة يمتزج في أذهان الكثيرين بتعبير" الخرافة " و " الحكاية الشعبية ، كما أن بعض الدارسين يضعون الأسطورة والخرافةوالحكاية الشعبية والأمثال والحكم والسير الشعبية في جراب الموروث الشعبي .
الأسطورة
أجمع الدارسون لعلم الأساطير أي المثالوجيا على الطابع الاعتقادي والإيماني للأسطورة مع ما يحمله ذلك من قداسة . تقول أديث هاملتون الاختصاصية في الأساطير الإغريقية: إن الأسطورة ماهي إلا تعليل لإحدى الظواهر الطبيعية مثل كيفية خلق هذا الشيء أو ذاك في الكون كالناس والحيوانات والأشجار والشمس والقمر والنجوم والزوابع وباختصار كل ماله وجود وكل ما يقع في هذا الكون الفسيح . والأساطير ماهي إلا العلم القديم وهي نتاج محاولات الإنسان الأول لتعليل كل ما يقع تحت بصره وحسه (1 ) .
أما بارتيه فقد عرّف الأسطورة في كتابه " علم الأساطير" بأنها أقدم لغة وطريقة للاتصال من حيث كونها قول تلقائي بلغة سائغة بين عناصر اجتماعية معينة ولهذا فأنها مجهولة الهوية والأصل غامضة التاريخ والمكان . ( 2 )
والأسطورة بهذا المعنى تكتسب قداستها من كون أبطالها آلهة وشبه آلهة ومن قوة الاعتقاد بهذه الآلهة وبأفعالها وأقوالها وإن كانت قد توارت من الذهن الجمعي للناس بعد ظهور الأديان السماوية الثلاث والفلسفات الوضعية الحديثة وتطور العلوم الإنسانية والطبيعية ، إلا أنه مازال لبعض الاعتقادات والعادات والطقوس الأسطورية سطوتها على أذهان البعض ومن هنا تتبدّى تقليدية الأسطورة بانتقالها من جيل إلى جيل بالرواية الشفهية مما يجعلها ذاكرة الجماعة التي تحفظ قيمتها وعاداتها وطقوسها وحكمتها وتنقلها للأجيال المتعاقبة وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس .( 3 )
الحكاية الشعبية والحكاية الخرافية
الحكاية الشعبية هي مرويّة شعبية نسجها الخيال الشعبي وتداولها الناس جيلاً بعد جيل مضيفين لها ومحورين فيها وهي كما تعرفها المعاجم الألمانية الخبر الذي يتصل بحدث قديم ينتقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل لآخر أو كما تصفها المعاجم الإنجليزية حكاية يصدقها الشعب بوصفها حقيقة وتتطور مع العصور وتتداول شفاها كما أنها قد تختص بالحوادث التاريخية أو الأبطال الذين يصنعون التاريخ . ( 4 )
والحكاية الشعبية لا تحمل طابع القداسة وتقف في موضوعاتها عند حدود الحياة اليومية والأمور الدنيوية العادية .
والخرافة كالحكاية الشعبية لا تحمل الأخرى طابع القداسة بل هي بطولات ملآى بالمبالغات والخوارق إلاّ أن أبطالها الرئيسيين هم من البشر أو الجن ولا دور للآلهة فيها . ( 5 )
وفي الخرافات يتجلى - بوضوح - المنزع الأخلاقي ويتحدد الصراع بين الخير والشر الملاك والشيطان أو الجان العفاريت والإنسان الساحرة الشريرة والفتاة الجميلة الفارس والوحوش وتكون الغلبة فيها دائما لصالح الخير وعادة ما تكون النهاية سعيدة .
وتعكس الحكايات الشعبية حاجات الإنسان النفسية والانفعالية حيث تعويضا عن إحساسه بالقهر والضعف أمام الطبيعة والسلطة أي كان نوعها كما أنها تعكس التوق والحلم للتسيد ويستعان لذلك بالحكايات الخرافية و تحديدا بالجن والعفاريت والغيلان والحيوانات المفترسة وأحيانا بقوى الطبيعة نفسها كالسيول الجارفة والبراكين والزلازل إلى جانب بعدها الترويحي والترفيهي .
الأساطير والحكايات والأطفال
أوضحت التعريفات الخاصة بالأسطورة والحكاية الشعبية والخرافة أنها جاءت لتعبّر عن ضرورة وحاجة موضوعية وهو ما ينأى بها عن القصدية أي أنه لم يتم التعامل معها في الأصل كفن كما يعني في وجه من وجوهها بأنها ليست موجهة للأطفال ولا تعكس اهتماماتهم ولا تلبي احتياجاتهم بل أن الصياغة الرفيعة واللغة الفصحى للأسطورة تتجاوز القدرات اللغوية للطفل ناهيك عن طابعها التجريدي وإذا كان الأطفال ينجذبون كثيرا إلى الحكايات والخرافية تحديدا فلبساطتها ولغرائيبية أحداثها الزاخرة بالبطولات الخارقة والعجائب وأساليب التشويق المختلفة الذي يبتدعها الرواة .
وتكمن أهمية هذه الإشارة في كسر الوهم المسيطر على أذهان البعض بأن الأساطير والحكايات الشعبية والخرافة صناعة
خاصة للأطفال منطلقين في ذلك من غراثيبية أحداثها وغرقها في الفنتازيا .
يشير الدكتور الهيتي في هذا الصدد إلى أنه لا يوجد تراثا من الحكايات الشعبية التي كان يقدمها الأقدمون إلى الأطفال ويعود هذا إلى أن الكبار كانوا يتناقلون حكاياتهم ويعنون بها لأنها تعبّر عن حياتهم وحدهم بينما كانت حكايات الأطفال تظهر في كل عصر ولكنها سرعان ما تنسى فتموت ولم يبق إلاّ القليل من بين ذلك الفيض الذي يمكن القول إن الإنسان صاغه للأطفال . ( 6 )
ومن هنا يكتسب السؤال مشروعيته :
هل يمكن تقديم الأسطورة والحكايات الشعبية للأطفال ؟
- وجهة النظر الأولى : يمثلها تولكين أحد كتّاب الأطفال العالميين، ترى أن القصص مادة سيئة مليئة بالأحداث المفزعة والشخصيات المرعبة التي تهدد أمنهم الداخلي وتشعرهم بعدم الاطمئنان في هذا العالم .
- وجهة النظر الثانية : يمثلها أندرولانج - مؤسس علم الأساطير- ترى أنها تثير الخيال وتوسع الآفاق وتثير العقول فهي بهذا تعادل الأعمال الروائية لكبار الكتّاب وأن مذاقها لدى أطفال عصرنا هو نفس مذاقها لدى الأجداد منذ آلاف السنين ( 7 )
- أما وجهة النظر الثالثة فترى أن أشكال التعبير الشعبي يجب أن تمر بمقاييس العصر ومعاييره قبل أن يعاد تقديمه للأطفال ويشمل هذا فيما يشمل تنقيتها من الخيالات المفزعة والقيم الضارة والشوائب المختلفة .
ويمثل وجهة النظر الثالثة العديد من الباحثين والدارسين العرب أمثال الدكتور عبد الحميد يونس والأستاذ أحمد نجيب والدكتور عبد العزيز عبد المجيد والدكتور هادي نعمان الهيتي وإن كان الأخير يبدي تحفظات كثيرة في هذا الجانب يجعله أ كثر ميلا لوجهة النظر الأولى حيث يشير الدكتور الهيتي إلى أنه حين بدأت حركة تدوين الحكايات الشعبية في بعض البلدان وجد أن هناك جزءاً قليلاً يمكن أن يشكل زاداً لأدب الأطفال ووجد في بعض آخر قسوة أو خشونة لذا أعقبت حركة التدوين حركة أخرى مكملة هي تحوير بعض تلك الحكايات التي قيل أنها كانت للأطفال إضافة إلى تطوير بعض الحكايات الأخرى التي كان يتناقلها الراشدون وذلك بقصد أن تكون مناسبة للأطفال . ( 9 )
بيد أن عملية التحوير أو ما تسمى أحياناً بالتطوير والتعديل ليست سهلة بل ومحفوفة بالمخاطر خاصة عند التعامل مع الحكايات الشائعة بين الأطفال حيث سرعان ما يكتشف الأطفال أي تحوير فيها فيبدو لهم الأمر مربكاً ( 10 ) ولعل ما يعزز هذا الرأي تناول الحكاية عينها بصيغ ومضامين من قبل أكثر من كاتب فقصة " علاء الدين والمصباح السحري " من قصص " ألف ليلة وليلة " كتبها " كامل الكيلاني " وصدرت عن دار المعارف بمصر كما صاغ الحكاية نفسها " سليمان العيسى " أو بالأصح ترجمها عن نص باللغة الإنجليزية ونشرها في سلسلة " أساطير وحكايات خرافية " ضمن منشورات " ليدبيرد " كما قامت دار المعارف - لبنان بنقل الحكاية عن مؤسسة " والت ديزني " والأمر نفسه بالنسبة لحكاية " علي بابا " و"علي بابا والأربعون لصا " و" علي بابا والأربعون حرامي " بالتتابع ل " كامل الكيلاني " و " سليمان العيسى " و "نظيرة محمد " ( سلسلة " مكتبة الطفل " - دائرة ثقافة الأطفال - العراق ) ما دفع يعقوب الشاروني إلى القول : ( ... وهكذا نجد أن كل صفحة من صفحات القصص المأخوذة عن ألف ليلة وليلة تمتلىء بما يجب أن نقوله للأطفال أو بما يجب ألا نقوله للأطفال أو بما نقوله بعد تعديله ليتلائم مع ما يجب أن نقوله للأطفال .
وليس المسئول عن ذلك النص الأصلي بل هو الكاتب الذي يأخذ على عاتقه مخاطبة الصغار والوصول إلى عقولهم وسلوكهم عن طريق الحكاية والخيال ) ( 11 ) .
والسؤال هنا .. كيف سيتعامل الطفل مع هذه الحكاية أو تلك لو وقعت بيده بصيغها ورؤاها ومضامينها المختلفة ؟
أما الأساطير - حسب الهيتي - ليست أكثر من " أكذوبة كبيرة " بعد أن كانت بالأمس البعيد عقيدة راسخة ، وهي بهذا المعنى مادة لا تناسب الأطفال ( 12 ) .
إن رصداً دقيقاً لمكامن الخطورة في الأساطير وجل الحكايات إن لم يكن كلها - تحديداً عند تقديمها للأطفال - يجعلنا نشير بأصابعنا إلى الإغراق في القدرية والقسمة والنصيب وأفعال الزمن ومكائده ( 13 ) والهروب من المسؤولية ونزعة التبرير ورد الأمور إلى إرادات مستترة والاندفاع والطيش عندما يكون التروي والحذر ضروريين والجبن والتواكل عندما تدق ساعة الجد والتقليد والتقيد والقوالب والشكليات الجاهزة والإيمان بالخوارق والحماس اللفظي والإيمان بالمشعوذين والدجالين والمعتقدات الشعبية القديمة ظاهرة العين والتشاؤم ... الخ . ( 14 )
لنأخذ حكاية " علي بابا " مثالاً على بعض الحكايات الشعبية التي تحمل قيماً سلبية تؤثر على الأطفال حيث نجد في القصة التي أعدها " كامل الكيلاني " أن " علي بابا يسرق اللصوص وهو منطق الحكاية الشعبية في " ألف ليلة وليلة " لكن منطق الأطفال يجعلهم يتساءلون عما إذا كان من الجائز سرقة اللص فالقانون يعاقب الشخص الذي يلجأ إلى السرقة ليسترد حقاً له فكيف و"علي بابا " يسرق مالاً ليس له؟!.. وفي مكان آخر من القصة.
نجد مرجانةخادمة " علي بابا " تملأ وعاء كبيراً بالزيت وتضعه على النار حتى يشتد غليانه ثم تفتح كل خابية وتصب فيها شيئاً من الزيت حتى قتلت اللصوص جميعاً أشنع قتلة وهو ما تقوله الحكاية الشعبية أيضاً وهنا يمكن للقارئ الصغير أن يتساءل عما يمكن للمسروق أن يقتل السارق في حين أن التشريع لا يسمح بذلك إلا في حالة الدفاع عن النفس ( 15 )
كما تعج بعض الحكايات بصور الازدراء للمرأة وتعمم صوراً نمطية سلبية مثل صورة الخالة - زوجة الأب - القاسية والشريرة . في إحصاء للحكايات الشعبية اليمنية المنشورة في كتاب " حكايات وأساطير يمنية " للأستاذ علي محمد عبده ظهر أن هناك ثلاث حكايات تتعرض للموضوع نفسه ( وريقة الحنّا الدجرة الحمامة المسحورة ) إلى جانب حكاية لم تنشر في الكتاب هي " جليد الحمار " وهي غير الحكاية المعروفة " جليد أبو حمار " ولا تخفى المساوئ الاجتماعية والتربوية لتعميم مثل هذه الصورة السلبية للمرأة / الخالة للأطفال، وما يمكن أن تولده من كراهية ومواقف عدائية مسبقة عند الأطفال وعند الخالة أيضاً التي سبق وحدد لها المجتمع هذا الدور وطلب منها ضمنياً تمثله وتمثيله .
إن المآخذ السلبية الكثيرة على مضامين الأساطير والحكايات الشعبية باعتبار إن القسم الأكبر من آدابنا الشعبية وطقوسنا الاجتماعية مؤسس على مزيج غامض من التَحيز والتعصب والأوهام والصور الذهنية المختلفة ( 16 ) قد عززت من دعوات الرافضين تقديمها للأطفال كما هي أو محّورة ومعدلة باعتبار أن الأميرة الساحرة والجان والخاتم السحري " حكايات تجاوزتها الحياة الحديثة وطواها الزمن وأدخلت الحياة العصرية أدواتها التي تتناسب مع طبيعتها وارتكزت على العلم ووسائله فبدل " بساط الريح " أصبحت مركبة الفضاء وبدل أن يكلم الطفل الخاتم السحري يكلم العقل الالكتروني وهكذا .. (17) . بل أنه في برلين الغربية ( سابقا ) أوقفت رواية الحكايات الخرافية والأساطير في دور الحضانة ليشب جيل جديد لم ولن يسمع عن سندريللا وذات الرداء الأحمر وغيرها من القصص التي ظلت تروى للصغار عبر قرون طويلة وحجتهم في ذلك أنهم لا يريدون أن يعيش الأطفال بعقولهم الناشئة في ظل الخوف والرعب الناجمين عن هذه القصص التي تقدم أبطالاً من الملوك وكبار التجار والنبلاء الذين لا يستحقون الاحترام والتقدير من جانب الناشئين إذ أن هذه الشخصيات ليست النماذج التي يجب أن يكبر الصغار ولها في نفوسهم ووجدانهم نوع من التبجيل والتقدير . (18 )
من المعلوم أن الرفض لا يطال الأساطير والحكايات الشعبية وغيرها من أنواع الأدب الشعبي لذاتها ولا ينتقص من قيمتها التاريخية والمعرفية بوجه من الوجوه إنما الأمر يتصل بتعاطي الطفل معها والتعامل معها بقداسة أو على أقل تقدير كمسلمات اجتماعية بل أن الواجب يقتضي الدعوة إلى الاهتمام بكل الأساطير والموروثات الشعبية من خلال جمعها وتنقيحها ودراستها وتعميمها باعتبارها إرثاً قومياً وتاريخياً لا غنى عنه.
إثراء مخيلة الطفل وتنميتها
إن طابع الإدهاش وغرائيبية أحداث الأساطير والحكايات الشعبية وقدرات أبطالها الخارقة وحركة الزمن فيها قد جعل البعض يفترض لها دوراً في إثراء مخيلة الطفل وتنميته وإن كنا لا ننكر هذا التأثير لكنه ذلك الخيال الذي يبتعد بالطفل عن الواقع ليلقي به في جزر مظلمة خارج عالمنا بل ويفقده الحلم الذي هو أساس التخيل .
إن مرد اهتمامنا بالقديم وبالموروثات الشعبية عند حديثنا عن الطفل وأدب الأطفال جاء من باب العاطفة وتأكيد الهوية القومية بما هي تميّز عن الأنا الآخر وهو ما نأى بنا عن الاهتمام بالقادم بالمستقبل لذا جاء تعاطينا مع أدب الخيال العلمي ضعيفا إن لم يكن في حكم المعدوم رغم أهميته في إثراء مخيلة الطفل وتنميتها بل وفي تنمية قدرته على الخلق والابتكار وهو ما نحن في أمس الحاجة إليه .. إن هدف هذه القصص ليس إيصالها المعلومات إلى الأطفال بل إشباع مخيلاتهم ودفع عقولهم إلى التفكير في آفاق أكثر سعة لذا تعد تنمية قدرة الطفل على التخيل والتأمل والمرونة أحد أهداف هذه القصص (19)
بهذا يكون الخيال ايجابياً فاعلاً ومنتجاً وليس خيالاً مأزوماً محاصراً بالسحرة والجن والعفاريت والغيلان . فالثقافة العلمية - حسب الدكتور بشير البكري - هي التي تحمي أطفالنا من الخرافة والسحر والأحاجي والأساطير .
المراجع والهوامش
1 - انظر الهيتي هادي نعمان ( 1977 ) " أدب الأطفال " منشورات وزارة الإعلام العراق ص 191 .
2 - العاصي عربي ( 1981 ) " الحيوان في قصص الأطفال " الكرمل للدراسات والطباعة والنشر والتوزيع دمشق الطبعة الأولى ص 29 .
3 - السواح , فراس ( 1981 ) " مغامرة العقل الأولى - دراسة في الأسطورة - سوريا وبلاد الرافدين " سومر للدراسات والنشر والتوزيع نيقوسيا - قبرص الطبعة السادسة ص 21 .
4 - بعلوشة إبراهيم محمد، بحث حول الفن الشعبي وأثره في التكوين النفسي للطفل "وزارة الإعلام الهيئة العامة للاستعلامات مصر ص 20 .
5 - السواح فراس ( 1986 ) مرجع سابق ص 22 .
6 - الهيتي هادي نعمان ( مارس 1988 ) ثقافة الأطفال سلسلة عالم المعرفة المجلس الوطني للثقافة والفنون الكويت العدد (123 ) ص186 .
7 - أنظر : الصباغ مرسي السيد مرسي ( 1996 ) توظيف مواد الثقافة الشعبية في ثقافة الطفل العربي " مجلة " ثقافة الطفل " المجلس الأعلى للثقافة مصر المجلد 16 ص54 .
8 - بعلوشة , إبراهيم محمد مرجع سابق ص22 .
9 - الهيتي هادي نعمان ثقافة الأطفال " ص 187 .
10 - الهيتي أدب الأطفال " ص 200 .
11 - أنظر : الشاروني يعقوب ( 1990 ) القيم التربوية في قصص الأطفال " وزارة الإعلام , الهيئة العامة للاستعلامات مصر ص 34 .
12 - الهيتي هادي نعمان أدب الأطفال ص 193 .
13 - أنظر : عبد الحليم شوقي ( 1978 ) الفولكلور والأساطير العربية دار ابن خلدون - بيروت ص 105 .
14 - أنظر : بعلوشة إبراهيم محمد مرجع سابق ص26 .
15 - أنظر: الشاروني, يعقوب, مرجع سابق, ص 46 - 50 -51
16 الهيتي , هادي نعمان ( ربيع 2001 ) " أدب الأطفال بين المرونة والتعصب " مجلة " الطفولة والتنمية " المجلس العربي للطفولة والتنمية مصر العد د " 1 " ص 19 .
17 - العاصي عربي , مرجع سابق ص 106 .
18 - بعلوشة إبراهيم محمد مرجع سابق ص37 .
19 - الهيتي هادي نعمان ثقافة الأطفال " ص 198


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.