من بوابة الملف الأمني.. إخوان اليمن يحاولون إعادة الصراع إلى شبوة    النعي المهيب..    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    متهم بجريمة قتل يسلم نفسه للأجهزة الأمنية جنوبي اليمن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    رسالة تهديد حوثية صريحة للسعودية .. وتلويح بفشل المفاوضات    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    توحيد إدارة البنك المركزي في صنعاء وعدن.. خبير مصرفي يكشف عن حل مناسب لإنهاء الأزمة النقدية في اليمن    الذكرى 51 لجريمة قتل الدبلوماسيين الجنوبيين بتفجير طائرتهم في حضرموت    زيود الهضبة يعملون على التوطين في مأرب وسط ويحابون كوادرها المحلية    برفقة حفيد أسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي".. "لورين ماك" يعتنق الإسلام ويؤدي مناسك العمرة ويطلق دوري الرابطة في السعودية    وزير الدفاع يؤكد رفع مستوى التنسيق والتعاون بين مختلف الوحدات والتشكيلات العسكرية لهزيمة الحوثيين    جماعة الحوثي تفاجأ سكان صنعاء بهذا القرار الغير مسبوق والصادم !    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    حزامٌ ذهبيٌّ يُثيرُ جنونَ لصٍّ: شرطةُ سيئون تُلقي القبضَ عليهِ بتهمةِ السرقةِ!    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    روما يسعى لتمديد إعارة لوكاكو    الحوثيون يتلقون ضربة موجعة بعد رسالة قوية من الحكومة اليمنية والقضاء    السفير السعودي يبحث مع بعثة الاتحاد الأوروبي "خارطة الطريق" ومستجدات الأزمة اليمنية    "لا تلبي تطلعات الشعب الجنوبي"...قيادي بالانتقالي يعلق على رفض مخرجات لقاء الأحزاب    شاهد...عمار العزكي يُبهر جمهوره بأغنية "العدني المليح"    انقلاب مفاجئ.. الانتقالي يوجه ضربة قوية للشرعية ويهدد بالحرب بعد يوم تاريخي في عدن.. ماذا يحدث؟    أول تحرك يقوم به أبو زرعة في عدن بعد وصول العليمي مأرب    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    دوري ابطال اوروبا: الريال يتجاوز جحيم الاليانز ارينا ويفرض التعادل امام البايرن    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    بيان الرياض يدعو الى اتخاذ خطوات ملموسة لحل الدولتين وإيقاف فوري لإطلاق النار في غزة    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الأسطورة والحكاية في تنمية مخيلة الطفل العربي وإثرائها

حتى لا يسوقنا إغراء العنوان إلى إعطاء أحكام عامة , يدفعنا إلى التسليم المباشر بأدوار للأسطورة والحكاية في تنمية مخيلة الطفل العربي وإثرائه , ينبغي أولا تقديم تعريف للأسطورة والحكاية , وفك الاشتباك بينهما على افتراض وجود تداخل بين المفهومين , لاسيما أن تعبير الأسطورة يمتزج في أذهان الكثيرين بتعبير “ الخرافة “ و “ الحكاية الشعبية “ , كما يضع بعض الدارسين , الأسطورة إلى جانب الخرافة , والحكاية الشعبية , والأمثال , والحكم , والسير الشعبية , في جراب الموروث الشعبي .
الأسطورة
أجمع الدارسون لعلم الأساطير , أي المثالوجيا , على الطابع الاعتقادي والإيماني للأسطورة , مع ما يحمله ذلك من قداسة . تقول أديث هاملتون الاختصاصية في الأساطير الإغريقية “ إن الأسطورة ماهي إلا تعليل لإحدى الظواهر الطبيعية مثل كيفية خلق هذا الشيء أو ذاك في الكون , كالناس والحيوانات , والأشجار , والشمس , والقمر والنجوم والزوابع , وباختصار كل ماله وجود , وكل ما يقع في هذا الكون الفسيح . والأساطير ماهي إلا العلم القديم , وهي نتاج محاولات الإنسان الأول لتعليل كل ما يقع تحت بصره وحسه “ (1 )
أما بارتيه فقد عرّف الأسطورة في كتابه “ علم الأساطير” بأنها أقدم لغة وطريقة للاتصال , من حيث كونها قول تلقائي بلغة سائغة بين عناصر اجتماعية معينة , ولهذا فأنها مجهولة الهوية , والأصل , غامضة التاريخ والمكان . ( 2 )
والأسطورة بهذا المعنى تكتسب قداستها من كون أبطالها آلهة , وشبه آلهة , ومن قوة الاعتقاد بهذه الآلهة , وبأفعالها , وأقوالها , وإن كانت قد توارت من الذهن الجمعي للناس بعد ظهور الأديان السماوية الثلاث والفلسفات الوضعية الحديثة , وتطور العلوم الإنسانية والطبيعية , إلا أنه لازال لبعض الاعتقادات والعادات والطقوس الأسطورية سطوتها على أذهان البعض , ومن هنا تتبدّى تقليدية الأسطورة بانتقالها من جيل إلى جيل , بالرواية الشفهية , مما يجعلها ذاكرة الجماعة التي تحفظ قيمتها وعاداتها وطقوسها وحكمتها , وتنقلها للأجيال المتعاقبة وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس .( 3 )
الحكاية الشعبية والحكاية الخرافية
الحكاية الشعبية هي مرويّة شعبية , نسجها الخيال الشعبي , وتداولها الناس جيلا بعد جيل مضيفين لها ومحورين فيها , وهي كما تعرفها المعاجم الألمانية الخبر الذي يتصل بحدث قديم ينتقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل لأخر , أو كما تصفها المعاجم الإنجليزية حكاية يصدقها الشعب بوصفها حقيقة , وتتطور مع العصور وتتداول شفاها , كما أنها قد تختص بالحوادث التاريخية أو الأبطال الذين يصنعون التاريخ . ( 4 )
والحكاية الشعبية لا تحمل طابع القداسة , وتقف في موضوعاتها عند حدود الحياة اليومية والأمور الدنيوية العادية .
والخرافة كالحكاية الشعبية لا تحمل الأخرى طابع القداسة , بل هي بطولات مليئة بالمبالغات والخوارق , إلاّ أن أبطالها الرئيسيين هم من البشر أو الجن ولا دور للآلهة فيها . ( 5 )
وفي الخرافات يتجلى – بوضوح – المنزع الأخلاقي , ويتحدد الصراع بين الخير والشر , الملاك والشيطان أو الجان , العفاريت والإنسان , الساحرة الشريرة والفتاة الجميلة , الفارس والوحوش , وتكون الغلبة فيها دائما لصالح الخير , وعادة ما تكون النهاية سعيدة
وتعكس الحكايات الشعبية حاجات الإنسان النفسية والانفعالية حيث تعويضا عن إحساسه بالقهر والضعف أمام الطبيعة والسلطة , أي كان نوعها , كما أنها تعكس التوق والحلم للتسيد , ويستعان لذلك با لحكايات الخرافية , و تحديدا بالجن والعفاريت والغيلان والحيوانات المفترسة , وأحيانا بقوى الطبيعة نفسها كالسيول الجارفة والبراكين والزلازل , إلى جانب بعدها الترويحي والترفيهي.
الأساطير والحكايات والأطفال
أوضحت التعريفات الخاصة بالأسطورة والحكاية الشعبية والخرافة , أنها جاءت لتعبّر عن ضرورة وحاجة موضوعية , وهو ما ينأى بها عن القصدية , أي أنه لم يتم التعامل معها في الأصل كفن , كما يعني في وجه من وجوهها بأنها ليست موجهة للأطفال , ولا تعكس اهتماماتهم , ولا تلبي احتياجاتهم , بل أن الصياغة الرفيعة واللغة الفصحى للأسطورة تتجاوز القدرات ا للغوية للطفل , ناهيك عن طابعها التجريدي , وإذا كان الأطفال ينجذبون كثيرا إلى الحكايات والخرافية تحديدا فلبساطتها والغرائيبية أحداثها الزاخرة بالبطولات الخارقة والعجائب وأساليب التشويق المختلفة الذي يبتدعها الرواة .
وتكمن أهمية هذه الإشارة في كسر الوهم المسيطر على أذهان البعض , بأن الأساطير والحكايات الشعبية والخرافة صناعة خاصة للأطفال , منطلقين في ذلك من غراثيبية أحداثها وغرقها في الفنتازيا .
يشير الدكتور الهيتي في هذا الصدد إلى أنه لا يوجد تراثا من الحكايات الشعبية التي كان يقدمها الأقدمون إلى الأطفال ويعود هذا إلى أن الكبار كانوا يتناقلون حكاياتهم ويعنون بها لأنها تعبّر عن حياتهم وحدهم بينما كانت حكايات الأطفال تظهر في كل عصر , ولكنها سرعان ما تنسى فتموت , ولم يبق إلاّ القليل من بين ذلك الفيض الذي يمكن القول إن الإنسان صاغه للأطفال . ( 6 ) ومن هنا يكتسب السؤال مشروعيته :
هل يمكن تقديم الأسطورة والحكايات الشعبية للأطفال؟
- وجهة النظر الأولى : يمثلها تولكين , أحد كتّاب الأطفال العالميين ترى أن القصص مادة سيئة مليئة بالأحداثالمفزعة والشخصيات المرعبة التي تهددأمنهم الداخلي , وتشعرهم بعدم الاطمئنان فيهذا العالم .
- وجهة النظر الثانية : يمثلها أ ندرولانج - مؤسس علم الأساطير-
ترى أنها تثير الخيال وتوسع الآفاق , وتثير
العقول , فهي بهذا تعادل الأعمال الروائية
لكبار الكتّاب , وأن مذاقها لدى أطفال عصرنا
هو نفس مذاقها لدى الأجداد منذ آلاف السنين .0 ( 7 )
-أما وجهة النظر الثالثة , فترى أن أشكال التعبير الشعبي , يجب أن تمر بمقاييس العصر ومعاييره قبل أن يعاد تقديمها للأطفال , ويشمل هذا فيما يشمل تنقيتها من الخيالات المفزعة والقيم الضارة والشوائب المختلفة .
ويمثل وجهة النظر الثالثة العديد من الباحثين والدارسين العرب أمثال الدكتور عبد الحميد يونس , والأستاذ أحمد نجيب , والدكتور عبد العزيز عبد المجيد , والدكتور هادي نعمان الهيتي , وإن كان الأخير يبدي تحفظات كثيرة في هذا الجانب , يجعله أ كثر ميلا لوجهة النظر الأولى , حيث يشير – الدكتور الهيتي – إلى أنه حين بدأت حركة تدوين الحكايات الشعبية في بعض البلدان , وجد أن هناك جزءا قليلا يمكن أن يشكل زادا لأدب الأطفال , ووجد في بعض آخر قسوة أو خشونة , لذا أعقبت حركة التدوين حركة أخرى مكملة , هي تحوير بعض تلك الحكايات التي قيل أنها كانت للأطفال , إضافة إلى تطوير بعض الحكايات الأخرى التي كان يتناقلها الراشدون , وذلك بقصد أن تكون مناسبة للأطفال . ( 9 )
بيد أن عملية التحوير أو ما تسمى أحيانا بالتطوير والتعديل ليست سهلة , بل ومحفوفة بالمخاطر , خاصة عند التعامل مع الحكايات الشائعة بين الأطفال , حيث سرعان ما يكتشف الأطفال أي تحوير فيها , فيبدو لهم الأمر مربكا ( 10 ) , ولعل ما يعزز هذا الرأي تناول الحكاية عينها بصيغ ومضامين من قبل أكثر من كاتب , فقصة “ علاء الدين والمصباح السحري “ من قصص “ ألف ليلة وليلة “ كتبها “ كامل الكيلاني “ وصدرت عن دار المعارف بمصر , كما صاغ الحكاية نفسها “ سليمان العيسى “ أو بالأصح ترجمها عن نص باللغة الإنجليزية ونشرها في سلسلة “ أساطير وحكايات خرافية “ , ضمن منشورات “ ليدبيرد “ , كما قامت دار المعارف – لبنان , بنقل الحكاية عن مؤسسة “ والت ديزني “ , والأمر نفسه بالنسبة لحكاية “ علي بابا “ و”علي بابا والأربعون لصا “ و” علي بابا والأربعون حرامي “ بالتتابع ل “ كامل الكيلاني “ و “ سليمان العيسى “ و “نظيرة محمد “ ( سلسلة “ مكتبة الطفل “ – دائرة ثقافة الأطفال – العراق ) ما دفع يعقوب الشاروني إلى القول : ( ... وهكذا نجد أن كل صفحة من صفحات القصص المأخوذة عن ألف ليلة وليلة , تمتلىء بما يجب أن نقوله للأطفال , أو بما يجب ألا نقوله للأطفال , أو بما نقوله بعد تعديله ليتلاءم مع ما يجب أن نقوله للأطفال .
وليس المسئول عن ذلك النص الأصلي , بل هو الكاتب الذي يأخذ على عاتقه مخاطبة الصغار , والوصول إلى عقولهم وسلوكهم عن طريق الحكاية والخيال ) ( 11 )
والسؤال هنا .. كيف سيتعامل الطفل مع هذه الحكاية أو تلك لو وقعت بيده بصيغها ورؤاها ومضامينها المختلفة ؟
أما الأساطير – حسب الهيتي – ليست أكثر من “ أكذوبة كبيرة “ بعد أن كانت بالأمس البعيد عقيدة راسخة ، وهي بهذا المعنى مادة لا تناسب الأطفال ( 12 )
إن رصدا دقيقا لمكامن الخطورة في الأساطير وجل الحكايات إن لم يكن كلها – تحديدا عند تقديمها للأطفال – يجعلنا نشير بأصابعنا إلى الإغراق في القدرية والقسمة والنصيب , وأفعال الزمن ومكائده ( 13 ) , والهروب من المسؤولية , ونزعة التبرير , ورد الأمور إلى إ رادات مستترة , والاندفاع والطيش عندما يكون التروي والحذر ضروريين , والجبن والتواكل عندما تدق ساعة الجد , والتقليد ، والتقيد بالقوالب , والشكليات الجاهزة , والإيمان بالخوارق , والحماس اللفظي , والإيمان بالمشعوذين والدجالين , والمعتقدات الشعبية القديمة , ظاهرة العين والتشاؤم ... الخ . ( 14 )
لنأخذ حكاية “ علي بابا “ مثالا على بعض الحكايات الشعبية التي تحمل قيما سلبية تؤثر على الأطفال , حيث نجد في القصة التي أعدها “ كامل الكيلاني “ أن “ علي بابا يسرق اللصوص , وهو منطق الحكاية الشعبية في “ ألف ليلة وليلة “ , لكن منطق الأطفال يجعلهم يتساءلون عما إذا كان من الجائز سرقة اللص , فالقانون يعاقب الشخص الذي يلجأ إلى السرقة , ليسترد حقا له , فكيف و”علي بابا “ يسرق مالا ليس له ؟!.. وفي مكان آخر من القصة نجد مرجانة, خادمة “ علي بابا “ , تملأ وعاء كبيرا بالزيت , وتضعه على النار حتى يشتد غليانه , ثم تفتح كل خابية وتصب فيها شيئا من الزيت حتى قتلت اللصوص جميعا أشنع قتلة , وهو ما تقوله الحكاية الشعبية أيضا , وهنا يمكن للقارئ الصغير أن يتساءل عما يمكن للمسروق أن يقتل السارق , في حين أن التشريع لا يسمح بذلك إلا في حالة الدفاع عن النفس . ( 15 )
كما تعج بعض الحكايات بصور الازدراء للمرأة , وتعمم صورا نمطية سلبية , مثل صورة الخالة – زوجة الأب – القاسية والشريرة . في إحصاء للحكايات الشعبية اليمنية المنشورة في كتاب “ حكايات وأساطير يمنية “ للأستاذ علي محمد عبده , ظهر أن هناك ثلاث حكايات تتعرض للموضوع نفسه ( وريقة الحنُا , الدًجرة , الحمامة المسحورة ) , إلى جانب حكاية لم تنشر في الكتاب , هي “ جليد الحمار “ , وهي غير الحكاية المعروفة “ جليد أبو حمار “ ولا تخفى المساوئ الاجتماعية والتربوية لتعميم مثل هذه الصورة السلبية للمرأة / الخالة للأطفال ,وما يمكن أن تولده من كراهية ومواقف عدائية مسبقة عند الأطفال وعند الخالة أيضا التي سبق وحدد لها المجتمع هذا الدور وطلب منها ضمنيا تمثله وتمثيله .
إن المآخذ السلبية الكثيرة على مضامين الأساطير والحكايات الشعبية باعتبار ( إن القسم الأكبر من آدابنا الشعبية وطقوسنا الاجتماعية مؤسس على مزيج غامض من التَحيز والتعصب والأوهام والصور الذهنية المختلفة ) ( 16 ) , قد عززت من دعوات الرافضين تقديمها للأطفال كما هي أو محّورة ومعدلة باعتبار أن ( “ الأميرة الساحرة , والجان , والخاتم السحري “ حكايات تجاوزتها الحياة الحديثة , وطواها الزمن .
وأدخلت الحياة العصرية أدواتها التي تتناسب مع طبيعتها , وارتكزت على العلم ووسائله , فبدل “ بساط الريح “ أصبحت مركبة الفضاء , وبدل أن يكلم الطفل الخاتم السحري , يكلم العقل الالكتروني , وهكذا .. ) (17) , بل أنه في برلين الغربية ( سابقا ) أوقفت رواية الحكايات الخرافية والأساطير في دور الحضانة , ليشب جيل جديد , لم ولن يسمع عن سندريللا , وذات الرداء الأحمر وغيرها من القصص التي ظلت تروى للصغار عبر قرون طويلة وحجتهم في ذلك أنهم لا يريدون أن يعيش الأطفال بعقولهم الناشئة في ظل الخوف والرعب الناجمين عن هذه القصص التي تقدم أبطالا من الملوك وكبار التجار والنبلاء الذين لا يستحقون الاحترام والتقدير من جانب الناشئين , إذ أن هذه الشخصيات ليست النماذج التي يجب أن يكبر الصغار ولها في نفوسهم ووجدانهم نوع من التبجيل والتقدير . (18 )
من المعلوم أن الرفض لا يطال الأساطير والحكايات الشعبية وغيرها من أنواع الأدب الشعبي لذاتها , ولا ينتقص من قيمتها التاريخية والمعرفية بوجه من الوجوه , إ نما الأمر يتصل بتعاطي الطفل معها , والتعامل معها بقداسة أو على أقل تقدير كمسلمات اجتماعية , بل أن الواجب يقتضي الدعوة إلى الاهتمام بكل الأساطير والموروثات الشعبية من خلال جمعها وتنقيحها ودراستها وتعميمها , باعتباره إرثاً قومياً وتأريخياً لا غنى عنه .
إثراء مخيلة الطفل وتنميتها
إن طابع الإدهاش وغرائيبية أحداث الأساطير والحكايات الشعبية , وقدرات أبطالها الخارقة , وحركة الزمن فيها , قد جعل البعض يفترض لها دورا في إثراء مخيلة الطفل وتنميته , وإن كنا لا ننكر هذا التأثير , لكنه ذلك الخيال الذي يبتعد بالطفل عن الواقع ليلقي به في جزر مظلمة خارج عالمنا , بل ويفقده الحلم الذي هو أساس التخيل .
إن مرد اهتمامنا بالقديم وبالموروثات الشعبية عند حديثنا عن الطفل وأدب الأطفال , جاء من باب العاطفة , وتأكيد الهوية القومية , بما هي تميّز عن الأنا الآخر , وهو ما نأى بنا عن الاهتمام بالقادم , بالمستقبل , لذا جاء تعاطينا مع أدب الخيال العلمي ضعيفا , إن لم يكن في حكم المعدوم , رغم أهميته في إثراء مخيلة الطفل وتنميتها , بل وفي تنمية قدرته على الخلق والابتكار , وهو ما نحن في أمس الحاجة إليه ( ... إن هدف هذه القصص ليس إيصالها المعلومات إلى الأطفال . بل إشباع مخيلاتهم , ودفع عقولهم إلى التفكير في آفاق أكثر سعة , لذا تعد تنمية قدرة الطفل على التخيل والتأمل والمرونة أحد أهداف هذه القصص ) (19 )
بهذا يكون الخيال ايجابيا , فاعلا ومنتجا , وليس خيالا مأزوما , محاصرا بالسحرة والجن والعفاريت والغيلان . فالثقافة العلمية – حسب الدكتور بشير البكري – هي التي تحمي أطفالنا من الخرافة والسحر والأحاجي والأساطير .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.