الصين تكشف عن سلاح متطور لتعطيل شبكات الطاقة    مجلس إدارة الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة يصدر قرارات إستراتيجية لدفع عجلة التطوير القاري    انتقالي لحج: وحدة الصف الجنوبي خط أحمر وسنتصدى لكل محاولات التشظي    قوات الشهيد عمر القاسم تفجر عبوة ناسفة في ناقلة جند صهيونية    في لقائه مع الرهوي .. السامعي يشدد على أولويات الجوانب الاقتصادية والتنموية والخدمية وتحسين المعيشة    تراجع أسعار الذهب لأدنى مستوى في أكثر من شهر    القات والمخدرات سلاح الدمار الشامل اليمني لتدمير الجنوب.    الحديدة: صرف 70 مليون ريال مساعدات للنازحين    الارصاد: امطار رعدية على اجزاء من المرتفعات وأجواء حارة مغبرة على الصحاري والسواحل    - رئيس حكومةصنعاء يجتمع بوزير المالية والتربية لاجل معالجة مشاكل الدراسة اقرأ التفاصيل    مليشيا الحوثي تمنع مبادرات خيرية من دعم طلاب فقراء في صنعاء وريفها    الوافي: اعتقلني بحث عدن وصادر هاتفي واهانني أثناء متابعتي لقضية حقوق ب"آلاف" الدولارات لدى احدى المنظمات    ريال مدريد يعود لمحاولة ضم كاريراس.. وبنفيكا يكرر لعبة سيلفا    7 وفيات بالكوليرا في لودر بأبين وسط تحذيرات من كارثة صحية    لماذا لم يكن النووي سبب العدوان على ايران؟ وكيف نجح ترامب لولاية رأسية ثانية وما علاقة ذلك بالملف الايراني؟ وكيف جاء الكيان "يكحلها فعماها"؟    935 شهيدا بينهم 38 طفلًا و102 امرأة حصيلة نهائية للعدوان على ايران    تظاهرة للمعلمين في تعز تستنكر تجاهل مطالبهم الحقوقية وتطالب بسرعة صرف المرتبات    بيان توضيحي صادر عن إدارة أمن العاصمة عدن    الأمانة العامة للانتقالي تدشّن ورشة تدريبية في مهارات التواصل وإدارة الحوار الدعوي بالعاصمة عدن    حتى أنتَ يا قلمي    اللاهوت السياسي بين الغرب والمجتمعات الإسلامية: جدل الدين والسلطة    انتقالي العاصمة عدن يقدم الدعم اللازم لعلاج الكابتن علي نشطان    شركة النفط والغاز تنظم فالية بذكرى الهجرة النبوية    100 شاحنة تنقل أبراج نقل الطاقة الشمسية الإماراتية إلى عتق    بعد منع تناول القات منتصف الليل .. تعميم أمني بشأن قاعات الافراح بصنعاء    فوائد الخضروات الورقية على صحة القلب    شركات برمجيات هندية سهلت لإسرائيل اختراق إيران الكترونيا    اللاجئ رشاد العليمي: الارهابي الاول وسفاح الجنوب من اول ايام الوحدة المشؤومة    سقطرى اليمنية.. كنز بيئي فريد يواجه خطر التغير المناخي والسياحة الجائرة    روسيا.. اكتشاف موقع صيادين قدماء عمره 20 ألف سنة    لا تنتظروا الورود من أعداء الجنوب.. شرعية تحوّلت إلى مظلة ترعى مئات الإرهابيين    الرصاص يتفقد سير العمل بمكتب التأمينات والمعاشات في محافظة البيضاء    أول بطولة كرة قدم للروبوتات البشرية "    الدفاع المدني يسيطر على حريق هائل في تعز القديمة ولا أضرار بشرية    البايرن يواجه سان جيرمان في ربع نهائي مونديال الأندية    جوارديولا: الهلال السعودي تنافسي ومنظم وقادر على الإيذاء    مسؤول في الدوري الأمريكي : ميسي باق حتى ديسمبر    7 وفيات بكحول مغشوشة في الاردن    - 7يوليو انفجار شعبي مرتقب يهز عدن!    بين شُحّ المياه وشُحّ المرتب: صرخة الموظف في تعز    - عشر أوجاع تفتك باليمنيين شمالا وجنوبا.. والمسؤولون لسان حالهم: بالعشر ما نبالي    وزير الشؤون الاجتماعية والعمل يؤكد أهمية دعم الجمعيات التعاونية    نائب رئيس الوزراء المداني يطلع على مشاريع التطوير الإداري بوزارة الخدمة المدنية    كتاب قواعد الملازم.. وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن " بول دريش جامعة أكسفورد" (2)    هل طوفان الأقصى ورطة؟    المرازيق.. جبهة البطولات والانتصارات    الحقيقة لاغير    بعد عامين من الإغلاق.. الحوثيون ينهبون ما تبقى من مقر شركة برودجي بصنعاء    الوزير بحيبح يؤكد أهمية التنسيق مع الشركاء لتوسيع التدخلات الصحية في اليمن    اتحاد كرة القدم يرشح نادي تضامن حضرموت للمشاركة في بطولة الخليج للأندية للموسم المقبل    عدم استكمال البنية التحتية لمجاري مدينة شبام التأريخية تعتبر ثلمة    فؤاد الحميري.. يمن لا تغيب عنه شمس الحرية    عدد الخطوات اليومية اللازمة لتقليل خطر الإصابة بالسرطان؟    فؤاد الحميري السيل الهادر والشاعر الثائر    فوضى أئمة المساجد والمعاهد الدينية تؤسس لإقتتال جنوبي - جنوبي    عام على الرحيل... وعبق السيرة لا يزول في ذكرى عميد الادارة الشيخ طالب محمد مهدي السليماني    من يومياتي في أمريكا .. أطرش في زفة    ليس للمجرم حرمة ولو تعلق بأستار الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السرد النسوي فى اليمن.. بين التمرّد والذات المكبوتة
نشر في الجمهورية يوم 12 - 02 - 2010

يرسم السرد الشخصية ويبنى الحدث ويرود آفاق الفضاء الزمانى والمهاد المكاني، وإذا كان ثمة من يفصل بين الجملة السردية والجملة الحوارية إلا أن صلتهما ببعضهما هى صلة الكل بالجزء، والجزء هنا هو الحوار وهو من وسائل السرد، وهناك من يوسع دائرة السرد فيضم بين جناحيه عنصر الوصف على أساس أنه وسيلة أخرى من وسائل السرد وإن بدا فى بعض مظاهره فى موضع النقيض من السرد، إذ ما إن يبدأ الوصف حتى يكون السرد بدرجة الصفر على حدّ تعبير رولان بورنوف وريال أونيليه “1”.
فالسرد ينزوي مضطرا ويظل متواريا عن الأنظار إلى أن يكتمل الوصف حينذاك يمسك السرد بخيوط الأحداث ويواصل مسيرته، ومثل هذا الحسم بين السرد والوصف يجانب حقيقة الصلة الحميمية المتناغمة بينهما وإن الوصف من شأنه أن يرهص بأحداث لاحقة أويمهد لردود أفعال الشخصية بمعنى أنه يؤثر فى أنساق السرد، ومن المؤكد أنه يتأثر بها أيضا.
ويزخر المشهد السردي اليمني بنماذج سردية متنوّعة، ولاسيما السرد النسوي الذى صاغته أنامل الساردات اليمنيات، ولعّل من الضروري أن نشير إلى أن من البديهي أن تتأثر النصوص السردية النسوية فى اليمن بسجيّة الساردة وفطرتها الأنثوية وطبيعة ظروفها وثقافتها والمرحلة التي كتبت فيها عملها السردي، ولا ريب فى أن ثمة خصوصية متضمنة فى النص السردي النسوي وعلى النحو الذي يستنبطه التحليل وتشهد به النصوص السردية التي تتخذ منها هذه السطور ميدانا تطبيقيا.
يتسع أفق تجربة القاصة نادية الكوكباني لنمطين سرديّين هما القصة القصيرة والرواية أيضا إذ اجتازت تجاربها الأولي فى مجال القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا أو الأقصوصة منذ مجموعتها القصصية البكر “زفرة ياسمين” “عام 2001” تلتها “دحرجات” و”تقشر غيم” و”نصف أنف شفة واحدة”، وفاجأت نادية الكوكبانى المشهد السردي بروايتها “حب ليس إلا” الصادرة عن دار ميريت بالقاهرة هذا العام “2006”.
وهى تدشن من خلالها مساحات سردية وأطرا ثقافية جديدة ولاسيما فى عالم المرأة اليمنية التي كسرت طوق الاهتمامات الضيقة والاقتصار على الحيّز المحدود المنصرف إلى تفاصيل حياة الرجل وانطلقت فى رحاب إنسانية وثقافية متسعة تتناسب مع طبيعة التحولات الواعدة فى المجتمع اليمني الناهض، ولذلك فإن هذا النص الذي ورد عبر وعي الساردة فرح بطلة الرواية “حب ليس إلا” يعي طموح المرأة المعاصرة ويبارك سعيها من أجل الوصول إلى أقصى الدرجات العلمية “الدكتوراه” وأن يكون اقتران بطلة الرواية فرح بالشهادة العلمية هوالبديل عن النهاية التقليدية لنمط من الروايات المرتكزة على مهاد حكائي يختم في الغالب باقتران بطل الحكاية ببطلتها.
وبما أن بطلة رواية “حب ليس إلا” تنتمي إلى الشريحة الأكاديمية المثقفة فإن هذا النص الروائي مثقف بمعنى أنه يزخر بعشرات الأسماء والأعلام والكتب والمعلومات التي احتضنها عن رواية “مائة عام من العزلة” لغابرييل غارسيا ماركيز ورواية “فئران الأنابيب” لميشال كليرك وأسماء لروائيين وكتاب منهم المنفلوطي والعقاد وإبراهيم المازني وفكتور هيجوواسكندر دوماس وتشارلز ديكنز وليوتولستوي وزيفاكووغوركي وسيمون دي بوفوار وجان بول سارتر وفلوبير وسومرست موم وألبير كامو وشارلوت برونتى وإميلي برونتي وغاندى وكارل ماركس وباستور ومدام كوري وآينشتاين ودافنشي وهيلين كيلر وأديسون....”2”.
ويستقطب المحلي والفولكلوري والسوسيولوجي اهتمام النص، ولذلك يلجأ النص إلى هوامش توضيحية يفسر فيها هذه المفردة أوتلك العبارة مثل: الموالعة والرازم والعسيب ويهجر والشيذر والديوان، والروائية نادية الكوكباني تعى هذه المسألة وتقصدها إذ أنّ هاجس الخصوصية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر هذا المحلي والفولكلوري الذي يميز المكان وهوالركيزة والمنطلق لأنه الوجه الذي يهب النص بصماته وصدى صوته الخاص.
وينتمي نص رواية “حب ليس إلا” للتاريخ، ويتنامي فيه هاجس الزمن ويمتد داخل النص، وهو يستقي من عشرات الأرقام والتواريخ والوقائع الرامزة إلى أحداث مصيرية على صعيد اليمن كله بدءا بثورة عام 1962 ومرورا بأحداث أخرى وقعت فى شمال الوطن أو جنوبه كما تؤرّخ هذه الرواية لحدث الوحدة اليمنية ما بين عام 1990 وعام 1994، وهذا لا يعني أن هذه الرواية تاريخية بل إن التاريخ يظل مجرد إطار خارجى للأحداث السردية داخل النص، وثمة تفاعل واضح بين الأحداث الخاصة بشخصيات الرواية داخل النص والأحداث التاريخية المعروفة الموثقة بالأرقام وحسبما تقتضيه طبيعة الأحداث وعلاقتها بالشخصية الروائية.
ومنذ مجموعة “دحرجات” وهي المجموعة القصصية الثانية لنادية الكوكباني نشهد هذا الاتجاه صوب أساليب سردية متنوعة وصياغات لجملة قصصية متميزة، ففي الوقت الذي تسرد فيه قصة “غواية” على سبيل الاستدلال بأسلوب المنولوج فإن قصة “صندوق رقم 3” يتنوّع فيها أسلوب السرد، وهي تختلف فى أجوائها وشخصياتها وطبيعة الحدث الذي ينتظمها عن قصة “غواية” بيد أن ما يجمع بينهما هو هذه الخاتمة التي تضيء الحدث الرئيسى في القصة وفيما يدعي بلحظة التنوير أو الصدمة أو المفاجأة، فضلا عن أن القصتين كلتيهما تسردان عبر وعي امرأة تنتمى إلى سجيتها الأنثوية.
وتتسع مضامين نادية الكوكبانى لتحتضن تلك العجوز بطلة قصة “شرفاتهم” التي لم يبق ما يشدها إلى الحياة سوى شرفتها المطلة على حافة الهاشمي فى الشيخ عثمان أشهر مناطق مدينة عدن وأكثرها ازدحاما بالسكان، فتهب تفاصيل البيئة المحلية النص أصالة وخصوصية، وربما كان المتسول العم صالح بطلا فى قصة “اليوم الرابع”، إشارة إلى سعة صدر النص السردى لدى نادية الكوكباني، وقد تعبر بأسلوب المجاز والترميز عن تفاصيل اجتماعية قد تبدومحرجة فى قصتها “همس حائر” إشارة إلى ليلة العرس والمأزق الذي يمكن أن يواجهه العريس فى مجتمع القرية وما يعنيه عجزه من معانى العقم وافتقاد الفحولة، وفي أقاصيص نادية الكوكباني أو قصصها القصيرة جدا يطغى الطابع الشعرى على السردى نظرا لطبيعة هذه القصص التي تتسم بقدر كبير من التركيز والتكثيف في بنية هذا الجنس الأدبي الرشيق جدا. . وينفذ النص القصصي عند هدى العطاس إلى خصوصيات المجتمع اليمني وطبيعة البيئة المحلية بكل تفاصيلها، وهو نفاذ يتخذ من الحاسة الفنية دليلا لا يخطئ، وفي النصوص السردية لهدى العطاس لا تجد عناء فى البحث عما هو موح وخصب ومتعدد الألوان وثرى العطاء، فهذه قصة كهف الماموث في مجموعتها القصصية المعنونة “لأنها” ترتدي إهاب الرمز فالماموث فيل منقرض”3” بيد أنه ما يزال يعيش في هيئة وأخرى فهو رديف العادات الاجتماعية أو لنقل إنه الجزء السلبى منها على وجه الدقة ولكنه يمتد كي يلقي بكلكله على نبض الحياة، ولذلك فإنه يحفز بطلة القصة على التحدى وتكون الاستهلالة “لابد مما ليس منه بد، عليها أن تخرج إلى الشمس تتسلل يدها أولا، ترتد، إنها محرقة، تنكفئ إلى الكهف””4”.
وهى استهلالة تنطوى على قول مألوف موقع “من الرجز” يتصدره النفى “لابد مما ليس منه بد” وهو يفضى إلى خلجات البطلة التى بدا لها كهف الماموث قسيما للموت، وتكون خيوط الشمس المحرقة رمزا للحياة الصعبة، ولكن البطلة تختار نار الحرية مفضلة إياها على سكونية السجن وعتمة كهف الماموث “تتململ، تصرخ، تقذف نفسها تحت أتون الشمس، يبدأ جلدها بالتآكل” فيوحي هذا الحضور المتوالي للفعل المضارع فى غضون النص وخاتمته بسرعة الاستجابة وحضور العقاب، وإمكانية تصريف الرمز في أكثر من اتجاه ممكن على أن لا يتعارض مع السياق السردي للقصة، واستثمار الأفعال في غضون القصة عامة “ لا ينبغي أن يكون عفويا لأن الفعل قلب اللغة الذى ينبض بالأحداث ويحرك الانفعالات، ليحقق مهمة تعبيرية خاصة منوطة بأبعاد الفعل ودلالاته الاشارية””5”، وهوما يتحقق عبر وعي القاصة هدى العطاس بالدور الخاص بكل مفردة وما يمكن أن تفيض به على كيان النص السردي النابض.
ويتسع أفق السرد لدى هدى العطاس ليحتضن الجدّة عيشة بطلة قصتها “وشم”، ويسمعنا النص السردي صوت بطلة القصة وهي تهمس “يا مريم بنت عمران” إشارة إلى محنة العيش وفضيحة الجوع، وتفصح الخاتمة عن مرجعية تستند إلى قصة مريم بنت عمران “وتخرج من دارها لجمع الرطب المتساقط من النخيل.... تسر لبحر السماء ما يعتلج فى نفسها ثم تعود لجمع منحة الجذع المقدس””6” فيلمح النص إلى الآية الكريمة “وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا””7”، وهي سمة تعطي للنص القصصى عمقا وأصالة.
والتكثيف سمة لازمة للقصة القصيرة جدا أو الأقصوصة، وهوعلى وجه التحديد ما تتسم به القصة القصيرة جدا لدى هدى العطاس وكأنها تصوغ قصيدة نثر مع أن الخط الفاصل بين الشعري والسردي يرجح غلبة السرد، تأمل قصتها القصيرة جدا “مقايضة” التي احتضنتها مجموعتها ذات العنوان اللافت “برق يتدرب الإضاءة” “تفتقت ذاكراتها عن ألم خبأته فى علبة المجوهرات التي أهداها إليها، الآن لم يعد في العلبة مجوهرات، ويقبع فى أحد أركانها ثمالة ألم””8” فتنبعث نكهة اللغة المجازية والانزياحات الرشيقة والصور الحسية التي تشتغل على حاسة البصر وحاسة الذوق وفى إطار انزياحات واعية تجعل من الألم شيئا يمكن أن يخبأ فى علبة مجوهرات أو أنه يمكن أن يترسب فى قعر كأس ليس فيه سوى بقايا ألم، وعلى الرغم من قصر هذه الأقصوصة فإنها لخصت حياة بأكملها واختصرت عشرات التفاصيل وبما ينسجم مع طبيعة الأقصوصة.
وتنفرد القاصة أروى عبده عثمان بنسق قصصي مختلف إذ أنها ترتكز على التراث الشعبي بوصفه مهادا لقصصها القصيرة بيد أنها لا تعيد صياغة الحكاية الشعبية أو الخرافية بل إنها تعيد خلقها من جديد وبما يجعلها وعاء جديدا لهموم وطموحات معاصرة، وهذا ما فعلته على وجه الدقة في مجموعتها القصصية “يحدث في تنكا بلاد النامس”، ومع عناوين القاصة أروى عبده عثمان ننغمس تماما في هذا الخضم الشعبي المسحور، ومن ذلك قصصها”كيف استطاع حمادي الأفلخ أن يأتى بالجن مربطين” و”حكاية ملكدرنان” و”جرجوف مدينتنا” و”شبيك لبيك” و”القيصر دبوان” و”تنكا تشرب من بئر طاخ””9”.
وعلى وجه العموم فإن الانطباع الأساس الذي يخرج به قارئ قصص أروى عبده عثمان هو أن نصها السردي يطغى عليه الهم الاجتماعى والممتزج أحيانا بالسياسى وبالرؤية التنويرية وثقافة التغيير البناء ووفقا لرؤية تنبع من ذات تعتز بقيمها وتراثها إلا أنها تختزن عينا واعية ترى كل ما هومائل ومناهض للسجية الخيرة ولا نبوح بسرّ حين نورد هنا: أن ميدان القصص ينطلق من الأرض التي تقف عليها أروى عبده عثمان وأنها فضلت تقنية الترميز والتعريض والكناية بديلا عن الأسلوب المباشر وانطلاقا من ثقافتها واهتمامها ولهفتها على التراث الشعبى وسعيها إلى الحفاظ عليه وإعادة صياغته بما يتلاءم مع الظرف الراهن ولعلّها اقتربت مما أنجزه الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري حين اختار لروايته “مأساة واق الواق””10” أجواء ألف ليلة وليلة.. مع أن أروى توغلت في تفاصيل المأثور الشعبي وبما لم يرد في الرواية المذكورة إذ كان توجه رواية مأساة واق الواق سياسيا بالدرجة الأساس فى حين انطلقت أروى عبده عثمان من آفاق شعبية وبأدوات فنية مختلفة جعلت من منجزها السردي لوحة ذات ملامح وبصمات خاصة.
وما دمنا في إطار توظيف التراث واستثمار بعض جزئياته في صياغة قصة قصيرة معاصرة فإن القاصة إيمان عبدالوهاب حُميد تنتقي عنوانا لافتاً لمجموعتها القصصية “هجرن””11”، الذي يعني المدينة باللغة اليمنية القديمة، وكأن هذه اللفظة المفردة “هجرن” تدين الفلاح الذي يهجر فردوس الريف ويضيع في صخب المدينة، وربما أفادت إيمان حميد من أسلوب المذكرات فى قصتها “الحب في زمن الحرب” فتلمح هما عربيا هو احتلال العراق وبأسلوب القاصة الملتزمة التي تنفذ إلى المضمون السياسى عبر آليات القصة وسياقاتها الفنية.. ويفاجأ القارئ بهذا الزخم من القاصات اليمنيات ممن يجدن في الفن السردى ملاذا وأسلوب تعبير، فهذه القاصة عفاف البشيرى تعتمد على عنصر المفارقة منذ عنوان مجموعتها القصصية “ميت لكنه بصحة جيدة””12”، وتنتقى نورا زيلع في قصتها “قارئ الفنجان””13” أجواء العرافة والسحر وقراءة المستقبل، في حين تبدو بطلة قصة “بلقيس””14” للقاصة ريا أحمد نموذجا يعبر عن حب الساردة لوطنها أكثر منه شخصية إنسانية نابضة، وتسرد قصة “المرآة””15” للقاصة أفراح الصديق بأسلوب الرمز الذي يمكن أن يؤول تأويلات عدة من اتجاه، وتستعير القاصة مها ناجى صلاح فى قصتها “بحجم الروح””16” الأسلوب الشعرى الذي يتداخل مع السردي بحيث يظل المتلقى حائرا أمام نسق كهذا، ترى هل هوأقصوصة أم أنه قصيدة نثر رشيقة تقترب مما يدعي بقصيدة الومضة؟
وإذا ما اشرأب النص السردي النسوي إلى أكثر من أفق تقني أو مهاد مضموني فإن مثل هذا الطموح يؤكد تنوع اهتمام الساردة اليمنية، وعلى وجه العموم فإن الفن السردي النسوي في اليمن يشهد حضورا وتفاعلا مع الواقع لاسيما أن بعض النماذج والنصوص السردية النسوية تنافست مع نصوص سردية عربية وتفوقت عليها، وآية ذلك تلك الجوائز العربية التى حصلت عليها القاصات اليمنيات، فهذه القاصة نادية الكوكبانى قد حصلت على جائزة سعاد الصباح فى الكويت وهدى العطاس التي حازت على جائزة نادى الفتيات بالشارقة وأروى عبده عثمان الفائزة بجائزة دائرة الشؤون الثقافية بالشارقة في فن القصة، والشاعرة والروائية نبيلة الزبير التي فازت بروايتها “إنه جسدي” بجائزة نجيب محفوظ في مصر.
الهوامش
1 - رولان بورنوف وريال أونيليه، عالم الرواية، ترجمة : نهاد التكرلى دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1991، ص 105.
2 - نادية الكوكباني، حب ليس إلا، دار ميريت، القاهرة 2006، ص 22- 23.
3 - منير البعلبكي، المورد، دار العلم للملايين، ط 35، بيروت 2001م، ص 555.
4 - هدى العطاس، لأنها، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء 2001، ص 82.
5 - محمد غازى التدمري، لغة القصة، مؤسسة علا، حمص 1995، ص 42.
6 - هدى العطاس، لأنها، ص 70.
7 - سورة مريم، آية 25.
8 - هدى العطاس، برق يتدرب الإضاءة، مطابع وكالة الأنباء اليمنية سبأ، صنعاء 2003، ص 26.
9 - أروى عبده عثمان العريقي، يحدث فى تنكا بلاد النامس، إصدارات دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2001، ص 103.
10 - محمد محمود الزبيري، مأساة واق الواق، دار الكلمة، ط 2، صنعاء 1985.
11 - إيمان عبد الوهاب حميد، هجرن، وزارة الثقافة، صنعاء 2004.
12 - عفاف البشيري، ميت لكنه بصحة جيدة، وزارة الثقافة، صنعاء 2004.
13 - نورا زيلع، حبات اللؤلؤ، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء 2001، ص 5.
14 - ريا أحمد، قلب من صنعاء، من كتاب “أفق جديد لعالم أجد، نماذج من أدب التسعينيات القصصي”، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، ص 70.
15 - أفراح الصديق، المرآة، من كتاب “أفق جديد لعالم أجد، نماذج من أدب التسعينيات القصصي”، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، ص 29.
16 - مها ناجى صلاح، بحجم الروح، من كتاب “أفق جديد لعالم أجد، نماذج من أدب التسعينيات القصصي”، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، ص 193- 194.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.