اللجنة الوطنية توثق 5,700 ضحية من الأطفال خلال سنوات الحرب    مغردون: #خطر_حزب_الاصلاح يهدد أمن الجنوب والمنطقة ويسعى لإرباك المشهد عبر استغلال الأزمات    الاطلاع على أعمال ترميم وصيانة جامع معاذ بن جبل التاريخي في تعز    تألّق لافت لمعرض سفن كونكورس ضمن فعاليات مهرجان WOW في موسم الرياض    برشلونة يحتفل بالعودة إلى "كامب نو" بفوز عريض على بلباو    شرطة السير بعدن تدشّن التشغيل التجريبي للإشارات الضوئية في جولة القاهرة    الحكومة: أوامر الإعدام الحوثية مسرحية ونطالب بتدخل دولي لإنقاذ المختطفين    تنفيذ 4 مبادرات مجتمعية في السخنة بالحديدة    ليفربول "يسقط" في "أنفيلد" بثلاثية أمام ضيفه نوتنغهام    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 69,733 شهيدا و 170,863 مصابا    تدّشين أنشطة الدورة الثانية لجائزة جامعة صعدة للإبداع والبحث العلمي    راتب المعلم... جريمة وطنية تهدّد المستقبل    نكف قبلي لقبائل الرضمة في إب تأكيدًا على النفير العام والجهوزية    هيئة أسر الشهداء تُنفذ مشاريع تمكين اقتصادي بنصف مليار ريال    الكثيري يبحث مع وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية صالح محمود سُبل تعزيز التنسيق وتطوير الأداء بحضرموت    الكثيري يترأس لقاءً موسعًا بقيادات انتقالي حضرموت للتحضير لفعالية سيئون الكبرى    لملس يبحث في فرنسا فرص الاستثمار في ميناء عدن    الرئيس الإيراني يوجّه بحذف أربعة أصفار من الريال    ظهور "غير اخلاقي" بقناة للمرتزق طارق عفاش يثير عاصفة جدل    ترتيبات لإقامة بطولة كأس الشركات الأولى لكرة القدم السباعية    جرحى تعز يواصلون احتجاجاتهم للمطالبة بالعلاج وصرف مستحقاتهم المتأخرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع شبكة تحويلات مالية    المنتخب الوطني للناشئين يفوز على قيرغيزستان بهدفين في تصفيات كأس اسيا    اجتماع بصنعاء يقر عددا من المعالجات لأوضاع قطاع الملبوسات    إب .. اندلاع اشتباك بين مجموعتين مسلحتين إثر محاولة ابتزاز مغترب    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء من المرتفعات ودرجات الحرارة الصغرى أدنى من معدلاتها    قراءة تحليلية لنص "فرار وقت صلاة المغرب" ل"أحمد سيف حاشد"    الدوحة تفتتح مهرجانها السينمائي بفيلم فلسطيني مؤثر    الكاتب والمثقف والصحفي القدير الأستاذ أحمد عبدالرحمن    متوسط أسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 22 نوفمبر/تشرين ثاني 2025    صهيونيّ يتحدّى الجولاني: احتفال واحد لفلسطين يكفي لفضحكم    العليمي يلتهم أهم وأكبر قطاعات نفط شبوة وحضرموت (وثائق)    وزير الصحة يوجه برفع مستوى التأهب الوطني لمواجهة فيروس "ماربورغ"    مصر تعتمد مركبة بديلة عن "التوك توك" في المناطق الشعبية    قائمة مرشحي الكرة الذهبية 2026 تكشف مفاجآت مبكرة    سيدات الجيش المغربي يتوجن بلقب دوري الأبطال    بالقاتل.. البرازيل تعصف بأحلام المغرب    حديقة عدن مول تتحول إلى مساحة وعي... فعالية توعوية لكسر الصمت حول مرض الصرع    مركز عين الإنسانية يدين جريمة الجيش السعودي بحق المواطنين في صعدة    وزارة النفط: مرحلة سوداء صنعت الانهيار في الجنوب (وثيقة)    طائرة شباب القطن تحلق فوق سيئون وتتأهل إلى نهائي البطولة التنشيطية الثانية لأندية حضرموت الوادي والصحراء    اسبوع مجاني لمرضى السكري بصنعاء    طنين الأذن واضطرابات النوم.. حلقة مفرغة يكشفها العلم    كم جنت أميركا من بيع مقاتلات إف-35 في العالم؟    الترب :اليمن مع السلام ولا يمكن أن يكون لقمة سائغة في يد السعودي    تسوية بلا شركاء: الانتقالي يكشف تناقض القوى اليمنية    انهيار داخلي يقترب.. تحقيقات ووثائق غربية تتوقع زوال إسرائيل خلال عقود    كاتب أمريكي: الهجمات الصاروخية اليمنية على منشآت بقيق كافية لعدم الوثوق بالإدارة الأمريكية    الأنثى المبدعة بين التقييم الجنساني والانتقاد الذكوري .. المظاهر، والنتائج، والآفاق    «ليالي الفنون الخالدة» تعيد الغناء بالفصحى    الأوقاف والخطوط اليمنية توقعان اتفاقية لنقل أكثر من 6 آلاف حاج    ميزان الخصومة    أهم مفاتيح السعادة    يمن شباب تدين لغة التحريض من سلطة تعز والنقابة تدعو لوقف الزج بالأجهزة الأمنية بقضايا نشر    ثورة في علاج السكري: توصيل الأنسولين عبر الجلد دون حقن    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    دراسة: سيجارتان يوميًا تضاعفان خطر فشل القلب والوفاة المبكرة    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السرد النسوي فى اليمن.. بين التمرّد والذات المكبوتة
نشر في الجمهورية يوم 12 - 02 - 2010

يرسم السرد الشخصية ويبنى الحدث ويرود آفاق الفضاء الزمانى والمهاد المكاني، وإذا كان ثمة من يفصل بين الجملة السردية والجملة الحوارية إلا أن صلتهما ببعضهما هى صلة الكل بالجزء، والجزء هنا هو الحوار وهو من وسائل السرد، وهناك من يوسع دائرة السرد فيضم بين جناحيه عنصر الوصف على أساس أنه وسيلة أخرى من وسائل السرد وإن بدا فى بعض مظاهره فى موضع النقيض من السرد، إذ ما إن يبدأ الوصف حتى يكون السرد بدرجة الصفر على حدّ تعبير رولان بورنوف وريال أونيليه “1”.
فالسرد ينزوي مضطرا ويظل متواريا عن الأنظار إلى أن يكتمل الوصف حينذاك يمسك السرد بخيوط الأحداث ويواصل مسيرته، ومثل هذا الحسم بين السرد والوصف يجانب حقيقة الصلة الحميمية المتناغمة بينهما وإن الوصف من شأنه أن يرهص بأحداث لاحقة أويمهد لردود أفعال الشخصية بمعنى أنه يؤثر فى أنساق السرد، ومن المؤكد أنه يتأثر بها أيضا.
ويزخر المشهد السردي اليمني بنماذج سردية متنوّعة، ولاسيما السرد النسوي الذى صاغته أنامل الساردات اليمنيات، ولعّل من الضروري أن نشير إلى أن من البديهي أن تتأثر النصوص السردية النسوية فى اليمن بسجيّة الساردة وفطرتها الأنثوية وطبيعة ظروفها وثقافتها والمرحلة التي كتبت فيها عملها السردي، ولا ريب فى أن ثمة خصوصية متضمنة فى النص السردي النسوي وعلى النحو الذي يستنبطه التحليل وتشهد به النصوص السردية التي تتخذ منها هذه السطور ميدانا تطبيقيا.
يتسع أفق تجربة القاصة نادية الكوكباني لنمطين سرديّين هما القصة القصيرة والرواية أيضا إذ اجتازت تجاربها الأولي فى مجال القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا أو الأقصوصة منذ مجموعتها القصصية البكر “زفرة ياسمين” “عام 2001” تلتها “دحرجات” و”تقشر غيم” و”نصف أنف شفة واحدة”، وفاجأت نادية الكوكبانى المشهد السردي بروايتها “حب ليس إلا” الصادرة عن دار ميريت بالقاهرة هذا العام “2006”.
وهى تدشن من خلالها مساحات سردية وأطرا ثقافية جديدة ولاسيما فى عالم المرأة اليمنية التي كسرت طوق الاهتمامات الضيقة والاقتصار على الحيّز المحدود المنصرف إلى تفاصيل حياة الرجل وانطلقت فى رحاب إنسانية وثقافية متسعة تتناسب مع طبيعة التحولات الواعدة فى المجتمع اليمني الناهض، ولذلك فإن هذا النص الذي ورد عبر وعي الساردة فرح بطلة الرواية “حب ليس إلا” يعي طموح المرأة المعاصرة ويبارك سعيها من أجل الوصول إلى أقصى الدرجات العلمية “الدكتوراه” وأن يكون اقتران بطلة الرواية فرح بالشهادة العلمية هوالبديل عن النهاية التقليدية لنمط من الروايات المرتكزة على مهاد حكائي يختم في الغالب باقتران بطل الحكاية ببطلتها.
وبما أن بطلة رواية “حب ليس إلا” تنتمي إلى الشريحة الأكاديمية المثقفة فإن هذا النص الروائي مثقف بمعنى أنه يزخر بعشرات الأسماء والأعلام والكتب والمعلومات التي احتضنها عن رواية “مائة عام من العزلة” لغابرييل غارسيا ماركيز ورواية “فئران الأنابيب” لميشال كليرك وأسماء لروائيين وكتاب منهم المنفلوطي والعقاد وإبراهيم المازني وفكتور هيجوواسكندر دوماس وتشارلز ديكنز وليوتولستوي وزيفاكووغوركي وسيمون دي بوفوار وجان بول سارتر وفلوبير وسومرست موم وألبير كامو وشارلوت برونتى وإميلي برونتي وغاندى وكارل ماركس وباستور ومدام كوري وآينشتاين ودافنشي وهيلين كيلر وأديسون....”2”.
ويستقطب المحلي والفولكلوري والسوسيولوجي اهتمام النص، ولذلك يلجأ النص إلى هوامش توضيحية يفسر فيها هذه المفردة أوتلك العبارة مثل: الموالعة والرازم والعسيب ويهجر والشيذر والديوان، والروائية نادية الكوكباني تعى هذه المسألة وتقصدها إذ أنّ هاجس الخصوصية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر هذا المحلي والفولكلوري الذي يميز المكان وهوالركيزة والمنطلق لأنه الوجه الذي يهب النص بصماته وصدى صوته الخاص.
وينتمي نص رواية “حب ليس إلا” للتاريخ، ويتنامي فيه هاجس الزمن ويمتد داخل النص، وهو يستقي من عشرات الأرقام والتواريخ والوقائع الرامزة إلى أحداث مصيرية على صعيد اليمن كله بدءا بثورة عام 1962 ومرورا بأحداث أخرى وقعت فى شمال الوطن أو جنوبه كما تؤرّخ هذه الرواية لحدث الوحدة اليمنية ما بين عام 1990 وعام 1994، وهذا لا يعني أن هذه الرواية تاريخية بل إن التاريخ يظل مجرد إطار خارجى للأحداث السردية داخل النص، وثمة تفاعل واضح بين الأحداث الخاصة بشخصيات الرواية داخل النص والأحداث التاريخية المعروفة الموثقة بالأرقام وحسبما تقتضيه طبيعة الأحداث وعلاقتها بالشخصية الروائية.
ومنذ مجموعة “دحرجات” وهي المجموعة القصصية الثانية لنادية الكوكباني نشهد هذا الاتجاه صوب أساليب سردية متنوعة وصياغات لجملة قصصية متميزة، ففي الوقت الذي تسرد فيه قصة “غواية” على سبيل الاستدلال بأسلوب المنولوج فإن قصة “صندوق رقم 3” يتنوّع فيها أسلوب السرد، وهي تختلف فى أجوائها وشخصياتها وطبيعة الحدث الذي ينتظمها عن قصة “غواية” بيد أن ما يجمع بينهما هو هذه الخاتمة التي تضيء الحدث الرئيسى في القصة وفيما يدعي بلحظة التنوير أو الصدمة أو المفاجأة، فضلا عن أن القصتين كلتيهما تسردان عبر وعي امرأة تنتمى إلى سجيتها الأنثوية.
وتتسع مضامين نادية الكوكبانى لتحتضن تلك العجوز بطلة قصة “شرفاتهم” التي لم يبق ما يشدها إلى الحياة سوى شرفتها المطلة على حافة الهاشمي فى الشيخ عثمان أشهر مناطق مدينة عدن وأكثرها ازدحاما بالسكان، فتهب تفاصيل البيئة المحلية النص أصالة وخصوصية، وربما كان المتسول العم صالح بطلا فى قصة “اليوم الرابع”، إشارة إلى سعة صدر النص السردى لدى نادية الكوكباني، وقد تعبر بأسلوب المجاز والترميز عن تفاصيل اجتماعية قد تبدومحرجة فى قصتها “همس حائر” إشارة إلى ليلة العرس والمأزق الذي يمكن أن يواجهه العريس فى مجتمع القرية وما يعنيه عجزه من معانى العقم وافتقاد الفحولة، وفي أقاصيص نادية الكوكباني أو قصصها القصيرة جدا يطغى الطابع الشعرى على السردى نظرا لطبيعة هذه القصص التي تتسم بقدر كبير من التركيز والتكثيف في بنية هذا الجنس الأدبي الرشيق جدا. . وينفذ النص القصصي عند هدى العطاس إلى خصوصيات المجتمع اليمني وطبيعة البيئة المحلية بكل تفاصيلها، وهو نفاذ يتخذ من الحاسة الفنية دليلا لا يخطئ، وفي النصوص السردية لهدى العطاس لا تجد عناء فى البحث عما هو موح وخصب ومتعدد الألوان وثرى العطاء، فهذه قصة كهف الماموث في مجموعتها القصصية المعنونة “لأنها” ترتدي إهاب الرمز فالماموث فيل منقرض”3” بيد أنه ما يزال يعيش في هيئة وأخرى فهو رديف العادات الاجتماعية أو لنقل إنه الجزء السلبى منها على وجه الدقة ولكنه يمتد كي يلقي بكلكله على نبض الحياة، ولذلك فإنه يحفز بطلة القصة على التحدى وتكون الاستهلالة “لابد مما ليس منه بد، عليها أن تخرج إلى الشمس تتسلل يدها أولا، ترتد، إنها محرقة، تنكفئ إلى الكهف””4”.
وهى استهلالة تنطوى على قول مألوف موقع “من الرجز” يتصدره النفى “لابد مما ليس منه بد” وهو يفضى إلى خلجات البطلة التى بدا لها كهف الماموث قسيما للموت، وتكون خيوط الشمس المحرقة رمزا للحياة الصعبة، ولكن البطلة تختار نار الحرية مفضلة إياها على سكونية السجن وعتمة كهف الماموث “تتململ، تصرخ، تقذف نفسها تحت أتون الشمس، يبدأ جلدها بالتآكل” فيوحي هذا الحضور المتوالي للفعل المضارع فى غضون النص وخاتمته بسرعة الاستجابة وحضور العقاب، وإمكانية تصريف الرمز في أكثر من اتجاه ممكن على أن لا يتعارض مع السياق السردي للقصة، واستثمار الأفعال في غضون القصة عامة “ لا ينبغي أن يكون عفويا لأن الفعل قلب اللغة الذى ينبض بالأحداث ويحرك الانفعالات، ليحقق مهمة تعبيرية خاصة منوطة بأبعاد الفعل ودلالاته الاشارية””5”، وهوما يتحقق عبر وعي القاصة هدى العطاس بالدور الخاص بكل مفردة وما يمكن أن تفيض به على كيان النص السردي النابض.
ويتسع أفق السرد لدى هدى العطاس ليحتضن الجدّة عيشة بطلة قصتها “وشم”، ويسمعنا النص السردي صوت بطلة القصة وهي تهمس “يا مريم بنت عمران” إشارة إلى محنة العيش وفضيحة الجوع، وتفصح الخاتمة عن مرجعية تستند إلى قصة مريم بنت عمران “وتخرج من دارها لجمع الرطب المتساقط من النخيل.... تسر لبحر السماء ما يعتلج فى نفسها ثم تعود لجمع منحة الجذع المقدس””6” فيلمح النص إلى الآية الكريمة “وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا””7”، وهي سمة تعطي للنص القصصى عمقا وأصالة.
والتكثيف سمة لازمة للقصة القصيرة جدا أو الأقصوصة، وهوعلى وجه التحديد ما تتسم به القصة القصيرة جدا لدى هدى العطاس وكأنها تصوغ قصيدة نثر مع أن الخط الفاصل بين الشعري والسردي يرجح غلبة السرد، تأمل قصتها القصيرة جدا “مقايضة” التي احتضنتها مجموعتها ذات العنوان اللافت “برق يتدرب الإضاءة” “تفتقت ذاكراتها عن ألم خبأته فى علبة المجوهرات التي أهداها إليها، الآن لم يعد في العلبة مجوهرات، ويقبع فى أحد أركانها ثمالة ألم””8” فتنبعث نكهة اللغة المجازية والانزياحات الرشيقة والصور الحسية التي تشتغل على حاسة البصر وحاسة الذوق وفى إطار انزياحات واعية تجعل من الألم شيئا يمكن أن يخبأ فى علبة مجوهرات أو أنه يمكن أن يترسب فى قعر كأس ليس فيه سوى بقايا ألم، وعلى الرغم من قصر هذه الأقصوصة فإنها لخصت حياة بأكملها واختصرت عشرات التفاصيل وبما ينسجم مع طبيعة الأقصوصة.
وتنفرد القاصة أروى عبده عثمان بنسق قصصي مختلف إذ أنها ترتكز على التراث الشعبي بوصفه مهادا لقصصها القصيرة بيد أنها لا تعيد صياغة الحكاية الشعبية أو الخرافية بل إنها تعيد خلقها من جديد وبما يجعلها وعاء جديدا لهموم وطموحات معاصرة، وهذا ما فعلته على وجه الدقة في مجموعتها القصصية “يحدث في تنكا بلاد النامس”، ومع عناوين القاصة أروى عبده عثمان ننغمس تماما في هذا الخضم الشعبي المسحور، ومن ذلك قصصها”كيف استطاع حمادي الأفلخ أن يأتى بالجن مربطين” و”حكاية ملكدرنان” و”جرجوف مدينتنا” و”شبيك لبيك” و”القيصر دبوان” و”تنكا تشرب من بئر طاخ””9”.
وعلى وجه العموم فإن الانطباع الأساس الذي يخرج به قارئ قصص أروى عبده عثمان هو أن نصها السردي يطغى عليه الهم الاجتماعى والممتزج أحيانا بالسياسى وبالرؤية التنويرية وثقافة التغيير البناء ووفقا لرؤية تنبع من ذات تعتز بقيمها وتراثها إلا أنها تختزن عينا واعية ترى كل ما هومائل ومناهض للسجية الخيرة ولا نبوح بسرّ حين نورد هنا: أن ميدان القصص ينطلق من الأرض التي تقف عليها أروى عبده عثمان وأنها فضلت تقنية الترميز والتعريض والكناية بديلا عن الأسلوب المباشر وانطلاقا من ثقافتها واهتمامها ولهفتها على التراث الشعبى وسعيها إلى الحفاظ عليه وإعادة صياغته بما يتلاءم مع الظرف الراهن ولعلّها اقتربت مما أنجزه الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري حين اختار لروايته “مأساة واق الواق””10” أجواء ألف ليلة وليلة.. مع أن أروى توغلت في تفاصيل المأثور الشعبي وبما لم يرد في الرواية المذكورة إذ كان توجه رواية مأساة واق الواق سياسيا بالدرجة الأساس فى حين انطلقت أروى عبده عثمان من آفاق شعبية وبأدوات فنية مختلفة جعلت من منجزها السردي لوحة ذات ملامح وبصمات خاصة.
وما دمنا في إطار توظيف التراث واستثمار بعض جزئياته في صياغة قصة قصيرة معاصرة فإن القاصة إيمان عبدالوهاب حُميد تنتقي عنوانا لافتاً لمجموعتها القصصية “هجرن””11”، الذي يعني المدينة باللغة اليمنية القديمة، وكأن هذه اللفظة المفردة “هجرن” تدين الفلاح الذي يهجر فردوس الريف ويضيع في صخب المدينة، وربما أفادت إيمان حميد من أسلوب المذكرات فى قصتها “الحب في زمن الحرب” فتلمح هما عربيا هو احتلال العراق وبأسلوب القاصة الملتزمة التي تنفذ إلى المضمون السياسى عبر آليات القصة وسياقاتها الفنية.. ويفاجأ القارئ بهذا الزخم من القاصات اليمنيات ممن يجدن في الفن السردى ملاذا وأسلوب تعبير، فهذه القاصة عفاف البشيرى تعتمد على عنصر المفارقة منذ عنوان مجموعتها القصصية “ميت لكنه بصحة جيدة””12”، وتنتقى نورا زيلع في قصتها “قارئ الفنجان””13” أجواء العرافة والسحر وقراءة المستقبل، في حين تبدو بطلة قصة “بلقيس””14” للقاصة ريا أحمد نموذجا يعبر عن حب الساردة لوطنها أكثر منه شخصية إنسانية نابضة، وتسرد قصة “المرآة””15” للقاصة أفراح الصديق بأسلوب الرمز الذي يمكن أن يؤول تأويلات عدة من اتجاه، وتستعير القاصة مها ناجى صلاح فى قصتها “بحجم الروح””16” الأسلوب الشعرى الذي يتداخل مع السردي بحيث يظل المتلقى حائرا أمام نسق كهذا، ترى هل هوأقصوصة أم أنه قصيدة نثر رشيقة تقترب مما يدعي بقصيدة الومضة؟
وإذا ما اشرأب النص السردي النسوي إلى أكثر من أفق تقني أو مهاد مضموني فإن مثل هذا الطموح يؤكد تنوع اهتمام الساردة اليمنية، وعلى وجه العموم فإن الفن السردي النسوي في اليمن يشهد حضورا وتفاعلا مع الواقع لاسيما أن بعض النماذج والنصوص السردية النسوية تنافست مع نصوص سردية عربية وتفوقت عليها، وآية ذلك تلك الجوائز العربية التى حصلت عليها القاصات اليمنيات، فهذه القاصة نادية الكوكبانى قد حصلت على جائزة سعاد الصباح فى الكويت وهدى العطاس التي حازت على جائزة نادى الفتيات بالشارقة وأروى عبده عثمان الفائزة بجائزة دائرة الشؤون الثقافية بالشارقة في فن القصة، والشاعرة والروائية نبيلة الزبير التي فازت بروايتها “إنه جسدي” بجائزة نجيب محفوظ في مصر.
الهوامش
1 - رولان بورنوف وريال أونيليه، عالم الرواية، ترجمة : نهاد التكرلى دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1991، ص 105.
2 - نادية الكوكباني، حب ليس إلا، دار ميريت، القاهرة 2006، ص 22- 23.
3 - منير البعلبكي، المورد، دار العلم للملايين، ط 35، بيروت 2001م، ص 555.
4 - هدى العطاس، لأنها، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء 2001، ص 82.
5 - محمد غازى التدمري، لغة القصة، مؤسسة علا، حمص 1995، ص 42.
6 - هدى العطاس، لأنها، ص 70.
7 - سورة مريم، آية 25.
8 - هدى العطاس، برق يتدرب الإضاءة، مطابع وكالة الأنباء اليمنية سبأ، صنعاء 2003، ص 26.
9 - أروى عبده عثمان العريقي، يحدث فى تنكا بلاد النامس، إصدارات دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2001، ص 103.
10 - محمد محمود الزبيري، مأساة واق الواق، دار الكلمة، ط 2، صنعاء 1985.
11 - إيمان عبد الوهاب حميد، هجرن، وزارة الثقافة، صنعاء 2004.
12 - عفاف البشيري، ميت لكنه بصحة جيدة، وزارة الثقافة، صنعاء 2004.
13 - نورا زيلع، حبات اللؤلؤ، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء 2001، ص 5.
14 - ريا أحمد، قلب من صنعاء، من كتاب “أفق جديد لعالم أجد، نماذج من أدب التسعينيات القصصي”، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، ص 70.
15 - أفراح الصديق، المرآة، من كتاب “أفق جديد لعالم أجد، نماذج من أدب التسعينيات القصصي”، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، ص 29.
16 - مها ناجى صلاح، بحجم الروح، من كتاب “أفق جديد لعالم أجد، نماذج من أدب التسعينيات القصصي”، مؤسسة العفيف الثقافية، صنعاء، ص 193- 194.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.