- عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسقاط والترميز في قصص هدى العطاس
نشر في الجمهورية يوم 08 - 02 - 2009

تنهض القصة القصيرة النسوية في اليمن عبر نماذجها الجيدة التي أثبتت حضورا في الساحة العربية (1) ولم تعد تشكيلا غير واع موصولا بالقص التراثي التقليدي بل لجأت على يد القاصات اليمنيات إلى تقنيات معاصرة طريفة تبلور من الفضاء السردي أفقا شعريا مخضلا بالهم الأنثوي وتطلعاته وهو يحيل في حقيقته إلى تركيبة قصصية تمتزج في مناخاتها المدهشة انزياحات الصورة الشعرية وعناصر القصة .
يستفز مشهد الغروب على شاطئ البحر المخيال السردي فيصوغ جملاً قصصية يحيل إلى أكوان شعرية مضمخة بعبق الموج المتراقص لحظة الشفق ، فيغدو النسيج السردي أشبه ما يكون بقصيدة نثر مشفرة ، ولأن رؤية الدراسة تحتم عليها الوقوف عند تقنية الاسقاط وما ينتج عنها من رموز فإنها ستؤجل التوغل في خصوصية لغة القاصة هدى العطاس إلى سانحة أخرى . وتشكل زرقة (البحر بأمواجه وصخوره ولؤلؤه وأصدافه) المهاد المكاني للقصة ، وهو ليس مكاناً محايداً إذ إنه يحتفي بالعاشقين في استهلالة القصة (كان البحر هادئاً ينضد حكمته ويفتل مسبحة المد والجزر ، كان البحر يصنع بحره في اللحظة التي ينسحب الموج ليعبئ أصداف اللؤلؤ ، عندما دلفا الشاطئ الصخري اقتعدا صخرة مرتفعة كعرش) وفي خاتمتها (والبحر الخافق يحنو) لتكون القصة شذرة لونية تؤشر زرقتها الفضاء اللامتناهي ، وحين يتحرك الاسقاط باتجاه الاستعارة المكنية فانها تسارع لتبث الحياة الإنسانية في البحر (المستعار له) فيكون وجهاً لبطل القصة (المستعار منه) وتكون (الشمس) (المستعار له) قسيماً استعارياً لبطلة القصة وقد أكد هذا التأويل (أرى أن الشمس قد زفت إلى البحر وهذه دماء البكارة) زد على ذلك أن (الشمس) تبرز الفضاء الزمني اذي يلف حدث االقصة ومثل هذا الكلام ينسحب على (الليل) و (الشفق) لا سيما وأن هذه الألفاظ تبلور بنية رمزية موازية للحدث في أوج تناميه ثم في انحداره صوب الفجيعة (الشفق يحط رحاله والبحر يلتهم رغيف الشمس بحنو لا يمنع طفو بقعة دم تلون سطحه ) وتستبطن هذه الجملة القصصية المدججة بالاسقاط شخصية بطلي القصة (البحر]الرجل [ الشمس ]المرأة)، لا سيما أن حركة عنيفة واعية أضاءها الفعل المستعار (يلتهم ) الذي خففت من شراستها اللازمة الاستعارة (بحنو) ، ولكنها قادت البطلين إلى نهايتهما المفجعة إذ جاءت خاتمة القصة معلنة ( بعد أيام انبأت شرطة خفر السواحل عن اكتشافها لجثة واحدين ملتصقة) وهي علامة إشارية صادمة تتحاور دلالياً مع عنونة القصة ( واحدان) لتبلور قلادة إيحائية مراوغة تؤطر النص وتكشف عن نحت طريف لتثنية لفظ (واحد) يكني عن توق (الأنا) الساردة في تعاشق هاتين الكينونتين حد التماهي والحيلولة دون انفصالهما.

وتبلور قصة (كهف الماموث ) (11) فضاء سردياً غرائبياً تنعكس طرافته منذ عنوان القصة إذ يشكل نصاً قبلياً تثير بنيته المشاكسة أكثر من احتمال فهو ينسب- وعبر الصياغة التركيبية – المكان المغلق بمرجعياته (الكهف) إلى الماموث لتتشذر منهما (المكان المعتم]الكهف [الكينونة المنقرضةالماموث) رمزان متوازيان يشظيان النسيج السردي ويفضحان مكابدات (الأنا) المسكونة بالوهج والحلم تحت سلطتهما إذ يرد :
(( لابد مما ليس منه بد .. عليها أن تخرج إلى الشمس تتسلل يدها أولاً .. ترتد – إنها محرقة – تنكفئ إلى الكهف ، تسمع هسيس أنفاس المحشورين معها .. ( برودة الكهف تقرض رئتيها ) .. ومن بصيص ضوء يخط دائرة على الجدار ، تحدق في نقش لماموث لم تكتمل ملامحه – ولكن الدلائل تؤكد أنه هو !! هو الثور المقدس الذي وثقه الأجداد في الجدار منذ عصور .. يستند إلى جواره رمح تتحسسه أناملها .. (الكهف يقرض..) تضغط سن الرمح ، تشعر بخيوط الدم تشرشر بين أصابعها .. تقول امرأة في الصف الأخير : عيب ، (الجدار البارد يقرض رئتيها ) تتململ ، تصرخ ، تقذف نفسها تحت أتون الشمس .. يبدأ جلدها بالتآكل …))

تغلف هذا الفضاء السردي هالة من الغموض الشفاف تظهر من خلال عنصر المكان (داخل الكهف البارد) و(خارج الكهف الحارق ) لتتراءى ملامح (الأنا) الساردة وهي تتحرك حركة متضادة تارة باتجاه الخارج (الاستهلالة+الخاتمة ) وتارة أخرى صوب الداخل ( المتن السردي) وهي ثنائية تبلور محنة بطلة القصة إذ إنها بين اختيارين صعبين فهي إما تستسلم لموت بطيء في الداخل وقد عكس هذا المعنى الانثيالات الموقعة للفعل يقرض الكامن في (برودة الكهف تقرض رئتيها ) و(الكهف يقرض) و(الجدار البارد يقرض رئتيها ) أو أن (تقذف نفسها تحت أتون الشمس ، فيبدأ جلدها بالتآكل ) إيماءً إلى الانسلاخ الواعي عن الهوية والتنصل عن انتماءاتها الروحية المتجذرة في المكان ويفيض (الماموث) على جسد النص باحتمالات متباينة ، فهو كما يقول النص (نقش .. لم تكتمل ملامحه) إيماءً إلى سكونية حد التحجر بيد أنه لم يبطل تأثيره إذ أن بطلة القصة حين ( تضغط سن الرمح ، تشعر بخيوط الدم تشرشر بين أصابعها ، تقول امرأة في الصف الأخير: عيب) مما يتيح لأفق التلقي أن يغلب كون هذا الماموث هو رمزاً متشظياً من العرف الاجتماعي البالي ، والجانب السلبي فيه على وجه التحديد . وهنا يمكننا أن نفسر في ضوء هذا الاحتمال أزمة بطلة القصة فهي إما أن تتحدى هذا العرف البالي وأن تخرج من دائرته مثخنة بالجراح ومعنى ذلك أن تنسلخ عن جلدها وأن تتغير ملامحها وبين أن تحتمل البرد الرامز للمكابدة وسط (هسيس أنفاس المحشورين معها ) تحت سطوة هذا الماموث البليد .
وتبلور قصة (جدتي تعرف ما الإنسان) (12) بعدا استكناهيا ازاء الكون والحياة إذ يرد منعكسا على وعي بطلة القصة وراويتها :
((زفرة ثم زفرة ثم … اقتعد مصطبة الكابة ، يندلق بصري على دودة تزحف ، تحزنني انعطافات جسدها الهلامي . أحدس : إنها لا تعرف وجهتها . يردني وجه جدتي الخلوق ، وهي تقتعد فناء الدار، ترضع ابن (العبدة) كانت بفطرتها السمحة تعرف ما الإنسان . من البدء خطواتها خضراء .. وحين أهالوا عليها التراب ، قيل إن الحشد كانت مبتلة وجنتاهم ! وفي اليوم التالي ، عضدوني (عزيمة) على زندي تميمة بركة من عشب نما على قبرها . أتذكرها تهش فضول طفولتي قائلة : سأقص لسانك فأفر من أمامها ضاحكة ، وما ألبث أن أعود إليها بسلة أسئلتي من جديد .. ولكن ! أتعلم أني الآن أراقب دودة وأحدس أنها لا تعرف وجهتها)) .
تشكل استهلالة القصة (ينطلق بصري على دودة تزحف تحزنني انعطافات جسدها الهلامي ، احدس أنها لا تعرف وجهتها) وخاتمتها (إني الآن أراقب دودة واحدس أنها لا تعرف وجهتها) وثاقاً نغميا ترميزيا تتحرك دلالته حركة دائرية تؤطر المتن الحكائي الملبد بفضاءات الفقد والحرمان ويزيح إسقاطات الرمز (الدودة وحركتها الدائبة) الفضاء السردي باتجاه أفق كنائي مثخن بالتخبط والضياع وقد كثفه إعلان بطلة القصة (لا تعرف وجهتها) وهو يفضح مواجهة حادة بين (الأنا) الساردة وحدث الغياب ومحاولة استكناه أبعاده وصياغة رؤية خاصة ازاء المصير الأزلي للإنسان .
ثمة توازن واضح في قصة (تطلع) (13) بين حركة الحدث ونموه وحركة بطلة القصة باتجاه الانغمار في ماء السيل وفي إطار تقنية سردية تستثمر المونتاج في قطع الأحداث وإعادة توليفها في ذهن القارئ وبشكل يحفز المخيلة على متابعة السرد القصصي وفي إطار حركة متصادمة بين الزمن الماضي الذي يسترجع ذاكرة البطلة وبأسلوب (Flash - Back ) (14) وبين الراهن المعاش المنبئ عن خاتمة مفجعة. ويضيء الصندوق المغلق القابع في القبو في هذه القصة بنية ترميزية تحيل إلى التواصل المعرفي بين الأجداد والأبناء من جانب ومن جانب آخر فإن حضور الصندوق المباغت المنبثق من المقول السردي (عند أول تجربة لها في الولوج إلى القبو رأت الصندوق ، وبفضول مفعم بالدهشة هرعت إليه تفتشه وازدادت دهشتها عندما لم تجد سوى بعض الكتب) يشكل نموا في شخصية بطلة القصة إذ يمنحها قدرة على اجتياز الزمن صعودا باتجاه المستقبل ونزولا باتجاه الماضي كما أنه يوقد فيها الرغبة لامتلاك زمنها الخاص : (تمثلت الأحرف أمام عينيها ، وتجسدت الكلمات صورا لشخوص نساء ورجال وجوه ودودة وأكف تتلامس وشفاه تنفرج وعيون تقرأ ككتاب وأصوات هامسة وأصوات صارخة .. عج القبو بالشخوص . أحست بنشوة وخيل إليها أن القبو يتسع حتى أصبح فضاء لا متناهيا ، قالت لنفسها : لقد نبتت لي أجنحة).

ولأن ثقل الصندوق يتناسب تناسبا عكسيا مع منسوب الماء المنبئ عن خاتمة الشخصية وانسجاما مع عنونة القصة (تطلع) فإن حركة متصادمة عنيفة يحدسها القارئ بين الماء الرامز لبطش الآخر البليد والساعي لإلغاء (الأنا) وبين الصندوق الرامز للثقافة والمعرفة والتطلع المشروع باتجاه الضياء وفي جو متوتر باح به السرد القصصي وكثفته خاتمة النص إذ يرد :
ارتفع منسوب الماء . غطى الجذع كله وأخذ جسدها يغوص ويغوص ) – طفح وجه أبيها أمام عينيها ، ذلك الوجه دائم التجهم والكلمات الجافة تقذفها شفتاه كأنها نوى متعفنة .. والأم القابعة دوما باستسلام وارتخاء أبله .. وقفز صدى صوت من إحدى الليالي إلى أذنيها ، كان خوار بقرة أو عواء كلبة جريحة أو مواء قطة مستسلمة ، أو كان عبارة عن نشيج مكتوم ، فقد اختلط عليها تمييزه ، وأرادت حينها أن تفتح عينيها ولكن داهمها شعور بوهيمي خجل أحجمها عن فعل ذلك . وفي الليلة التي تليها كانت تنام مع جدتها . – (ارتفع منسوب المياه وصوت شلالات الساقية تحول إلى هديل صاخب ينبعث منه همس لأصوات تتآمر وأصابع تمتد نحوها خفية . وعندما أصاخت السمع كان تهديدا وعزما بالزواج من ابن خالتها . تمثلت أمامها كفها كعصفور ميت في راحتيه ووجهه المتجهم يتداخل مع وجه الأب.. ولكن هي لم تكن تقبع أمامه مستسلمة ، كانت تقبع في إحدى زوايا القبو تحاول حمل صندوق كتب والطلوع به إلى الأعلى . -(منسوب المياه يرتفع ويرتفع حتى غامت الصور جميعا وطفا الجسد المنتفخ إلى الأعلى وأخذت تجرفه المياه .))

وحين ننظر في البنية الترميزية لهذا النسيج السردي نرى إسقاطات جزئية رفدت الإسقاط الأساس في اللوحة القصصية فظهرت (الأنا) المهمشة وبوحها النازف رديفا ل(خوار بقرة ، عواء كلبة جريحة ، مواء قطة مستسلمة) وهي صور معتمة تمهد لخاتمة الحدث .
وفي نمط القصة القصيرة جداً التي استوعبت قصة (اخضلال) (15) نلمس أقصى الإسقاط والترميز لعناصر القصة كافة إذ نقرأ :
((مخضلة بالشاي كانت الملعقة ترقص وسط الفنجان .. بعد أن ذاب السكر مسجاة كانت على الطبق بإهمال)) .
تنزاح الألفاظ (ملعقة) ، (وسط الفنجان) ، (ذوبان السكر) ، (الطبق) من مضمارها الدلالي المألوف لتتشي بايحاءات جديدة ، يحدس أفق التلقي خصوصية هذه التحولات في النسيج السردي وبقرائن انزياحية تؤشر طبيعة تلك الانخطافات الترميزية فالخيال الاستعاري يهب المحمول اللفظي (الملعقة) (المستعار له) ملامح إنسانية تجعلها تتحرك على مساحة النص بوصفها شخصية قصصية تمنحها القرائن الاستعارية (مخضلة + ترقص) و(مسجاة) كينونة أنثوية تحيل إلى سلطة الآخر الجاحد لعطاءاتها والذي غيبته المخيلة السردية فبقي خارج النص كما أن تلك القرائن تمور بحركة متصادمة تنبثق من ثنائيات متوالية هي (الحياة / الموت) ، (الفرح / الحزن) ، (الحضور / التغييب) ، (الحركة / السكون) و … الخ وهي ثنائيات تفجر في أفق التلقي مداً زمنياً يستوعب رحلة عمر قصيرة نسبيا – تحيل آفاقها المكتنزة بالعطاء إلى أكثر من حالة إنسانية – تبدأ فيها (الأنا) متفاعلة مع الآخر ومتعاشقة مع همومه منغمرة في نشوة العطاء بيد أن الآخر سرعان ما يشيح بوجهه عنها ويهمشها بقسوة لا تتناسب مع حجم عطائها وإنسانية دورها . وحسب السياق القصصي يبلور (وسط الفنجان) و (الطبق) تبئيرا مكانيا متضاداً فالأول يوحي بالمكان الخصب المحبب ، ويشي الآخر بالمكان المجدب المعادي . ويلف حدث القصة المتأرجح بين أقصى العطاء وأقصى الإلغاء فضاء زمنيا طريفاً يستقى من دور بطلة القصة الذي ينتهي بذوبان السكر المنبئ عن انتهازية الآخر ولا إنسانيته.

وبعد ، فإن مجموعة (لأنها) للقاصة اليمنية هدى العطاس قد استطاعت أن تخلق من البيئة وعناصرها المتنوعة معادلاً فنياً يضيء ملامح شخصياتها ويعلن عن نموها وتفاعلها مع السياق القصصي ، وقد تفننت مخيلة القاصة في تشكيل رموزها المكتنزة بالايحاء فجاءت على شكل جمادات مثل (نقش الماموث) و (الصندوق) و (السيل) و (الملعقة) و (الجرة) و (البحر) و (الشمس) , (الشفق) و … أو كائنات حية غير عاقلة مثل (الشجرة) ، (العصفور) ، (البومة) ، (الحمار) ، (الحمام) ، (الدجاجة) ، (القطة) (السمكة) وهو تباين يفضح مهارة الفضاء السردي في إسقاط احساسات شخوصه وأفكار أبطاله ورؤاهم على هذه الرموز وفي سياقات مقنعة بحيث شكلت عالماً قصصياً خاصاً مترعاً بالايحاء ونائياً – وبوعي ومكابدة جمالية – عن المباشرة والرتابة السردية ومنعتقاً عن تكرار تجارب الآخرين . فكانت المجموعة القصصية متميزة بلغتها الشعرية وبأسلوب معالجتها للهم الإنساني عامة والهم الأنثوي على وجه الخصوص.
الهوامش :
(*) : هدى العطاس ، لأنها ، قصص قصيرة ، مؤسسة عفيف الثقافية ، صنعاء 2001م .
(1) : حازت المجموعة القصصية قيد الدراسة على جائزة إبداعات المرأة في الأدب ، أندية الفتيات ، الشارقة 2000م . كما حازت مجموعة (هكذا حدث في بلاد النامس) للقاصة أروى عبده عثمان ، على جائزة الإبداع ، دائرة الثقافة والفنون ، الشارقة 2001م . وحازت مجموعة (زفرة ياسمين) للقاصة نادية كوكباني على جائزة سعاد الصباح ، الكويت 2001م .
(2) : د. مصطفى سويف ، الأسس النفسية للإبداع العربي ، دار المعارف ، ط3 ، القاهرة 1969م ، ص203 .
(3) : نفسه ، ص207 .
(4) : د. وجدان عبدالإله الصائغ ، الصورة البيانية في النص النسائي الإماراتي ، الهيئة المصرية اللبنانية ، القاهرة 1999م ، ص150 .
(5) : هدى العطاس ، ص24-ص25 .
(6) : نفسه ، ص38 .
(7) : د.مصطفى سويف ، ص204 .
(8) : هدى العطاس ، ص56-ص57 .
(9) :نفسه ، ص12-ص14 .
(10) : نفسه ، ص82 .
(11) : نفسه ، ص58 .
(12) : نفسه ، ص46-ص50 .
(13) : مجدي وهبة ، معجم مصطلحات الأدب ، مكتبة لبنان ، بيروت 1974م ، ص320 .
(14) : هدى العطاس ، ص20


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.