تنهض القصة القصيرة النسوية في اليمن عبر نماذجها الجيدة التي أثبتت حضورا في الساحة العربية (1) ولم تعد تشكيلا غير واع موصولا بالقص التراثي التقليدي بل لجأت على يد القاصات اليمنيات إلى تقنيات معاصرة طريفة تبلور من الفضاء السردي أفقا شعريا مخضلا بالهم الأنثوي وتطلعاته وهو يحيل في حقيقته إلى تركيبة قصصية تمتزج في مناخاتها المدهشة انزياحات الصورة الشعرية وعناصر القصة . وقد امتازت هذه النصوص بخصوصية سردية فرضتها طبيعة الأنثى المتوجسة خيفة من الإفصاح عما يخالج (الانا) من مشاعر متصادمة ازاء الآخر ، فتلوذ بتقنية الإسقاط (Projection)التي تمنح النسيج القصصي آفقا مرآويا يشع في أكثر من اتجاه والتي عرفها كارل غوستاف يونج بانها(العملية النفسية التي يحول بها الفنان تلك المشاهد الغريبة التي تطلع عليه من أعماقه اللاشعورية ، يحولها إلى موضوعات خارجية يمكن أن يتأملها الآخرون)(2) ويعلق الدكتور مصطفي سويف على هذا التعريف فيربط بين الاسقاط والترميز في قوله : ((بان الإسقاط هو عملية لا غنى عنها في فهم عملية الامتصاص (Introjection) حيث يسكب الشخص احاسيسه في شيء ما ، -أي يموضعها- وبذلك يتسنى له أن يفصل بينها وبين الذات ، وبقدر ما يكون هذا الشيء رمزا فان صاحبه يكون مبدعاً عبقريا)(3) . من الواضح أن ما يهم هذه الدراسة هو الاسقاط الفني – إذا صح التعبير – وهو الذي يفضي إلى ترميز الاشياء والظواهر الطبيعية (الحية والجامدة) التي يسقط عليها المبدع احساسات شتى متباينة فتستحيل مادة لرموز متوترة لا حصر لها . وستنتقي هذه الدراسة مجموعة (لأنها) (*) للقاصة اليمنية هدى العطاس انموذجا تطبيقيا يجلي فاعلية الإسقاط وحركته باتجاه بلورة رموز مشفرة ويرصد من خلال انزياحات الصورة البيانية بانماطها الثلاثة ((الصورة التشبيهية ، الصورة الاستعارية ، الصورة الكنائية ))(4) انبلاجات (المسكوت عنه )وكما ستفصح عنه السطور اللاحقة . وينتقي المخيال السردي في قصة (الجدران)(5) الطائر لتبلور منه شذرة ترميزية تجلي فضاء قصصيا مفخخاً بالتغييب والأسر إذ يرد : ((صفق الطائر بجناحيه ، عندما على حين غرة ، .. وجد نفسه محاطا بجدران الغرفة التي دخل إليها عنوة وربما اعتباطا في رؤيته وكدرويش انتفض يرتل بجناحيه مدائح للخروج ، وفي بحثه عن نافذة مشرعة ، اصطدم بالسقف الخشن .. صفق الطائر بجناحيه أخذا بنطح الجدران . “هذا الصباح ملتف بالسخونة “ قلت لنفسي .. قالت حورية من زاويتها المبذورة هزالا داخلها : لن أتزوج أبن عمي ، غمغمت : لا تتزوجه ، وعدت إلى ما أنا فيه ، استرسلت التسجيل في مفكرتي المفتوحة أشداقها : ويحكى أنه في ذلك الزمان هطلت أمطار غزيرة سوداء ، ولجفاف مصدوع في الأرض ارتشفت الهبة المسبلة وفي فصل تبرعمها كانت رؤوس سوداء تظهر كدمامل تنبئ عن فصل الثمار القاتمة . صفق الطائر بجناحيه متطوحا في أرجاء الجدران الأربعة ، نهضت حورية فتحت النافذة للطائر ، مرددة : لن أتزوج أبن عمي ، .. ولكن … الطائر عمي عن رؤية النافذة وظل يتخبط في الفضاء المحدود . نادى صوت أجش : حورية ، حورية .. أمرها بالنزول ، عوت بأنين مفجع : إنه هو ، وهرولت مرتدية الحاجز الأسود فوق هامتها . لا يزال الطائر ينطح بهستيرية الفضاء المسور ، حين لم يهتد للنافذة ، خر نازفا صالباً جناحيه المنهوشتين من الجدار على الأرض .. نهضت .. أخذته بين كفي مشفقة الما وأنا أرقبه يلج في غيبوبة شلل تام)) . تشكل عنونة القصة (الجدران )لافتة إشارية مشفرة تحيل إلى تشظيات بطلة القصة (حورية)تحت سلطة امكنة مغلفة بقمع الآخر ، كما أن هذه العنونة لا تبقى نصا يوجه حركة التلقي في اتجاه المنتج السردي اللاحق وانما تغدو مهيمنة موضوعاتية تجثم على بنية المتن الحاضر وتتماهى برشاقة مع صورة القفص المتسللة من المتن الغائب التي استدعاها التعاشق المربك الملبس بين (حورية / الطائر) ، ليتخلق من توحدهما الدلالي افقا ترميزيا مرآويا يعكس عتمة الإلغاء المتحركة بينهما (الطائر / حورية ) فكلاهما رهين حبسه و (وجد نفسه محاطا بجدران الغرفة) وكلاهما يبحث عن منفذ للخلاص (وفي بحثه عن نافذة مشرعة اصطدم بالسقف الخشن صفق بجناحيه أخذا بنطح الجدران ) ، وكلاهما مثخن بجراحاته (لازال الطائر ينطح بهستيرية الفضاء المسور) وقد استغرقته المحنة فكانت فيها نهايته المضرجة (خر نازفا صالبا جناحيه المنهوشتين من الجدار على الارض) وكما أن (الطائر / الرمز )لم يرى النافذة (ولكن الطائر عمي عن رؤية النافذة وظل يتخبط في الفضاء المحدود + لم يهتد للنافذة ) فان بطلة القصة (حورية)لم تبحث لها عن منفذ وهو ما المحت إليه راوية القصة ، وكأنها تزجي رؤيتها المفصحة عن سعة الحياة وتعدد منافذها إذ أن القفص ينبعث من داخل الإنسان وكما هو شأن بطلة القصة .. وتنيط هدى العطاس في قصة (انين)(6) مهمة التعبير باكثر من معادل سردي تسقط عليها جميعا المفاصل الرئيسة للقصة فيستشف أفق التلقي أن الرمز يغوص في كينونة الانوات المتحركة تحت الفضاء القصصي((إلى أكثر حركات النفس بدائية ويلامس بذلك الوتر المشترك بين المبدع والمتلقي ))(7) فالجملة القصصية الواردة في استهلالة القصة : (أدخلت صفية آخر دجاجة في القفص عندما التقطت أذنها نحنحة مؤذن المسجد المجاور لدارهم وتشممت عبير عطر هبت به نسائم الغروب ، قالت في تفسها هذا عطر القادم من المدينة اكل يتحدث عنه) وورودها مرة أخرى في غضون السرد : ( أمست صفية عند كل غروب بعد إدخال الدجاج اقفاصها تشتم عبير القادم من المدينة فتهرع إلى النافذة ترسل نظراتها ، تشيعه حتى يختفي في أحد الدروب ) تخلق رؤية توحد (الانا) مع رمزها (الدجاجة )وتحيل إلى سذاجة بطلة القصة وانقيادها وفهمها القاصر لواقعها ولطبيعة الشر المحدق بها الذي قادها إلى نهايتها المفجعة إذ نقرأ : (بعد شهرين كانت صفية تتلوى وتسرع إلى الحمام تتقيئ وتفرغ كل ما أكلته ، وتفر الدموع من عينيها ومعها أمنية لو تفرغ كل ما بداخلها حتى أمعائها لعلها تلفظ ذلك المتكون المتكور في أحشائها فتتلوى وتجز على أسنانها وتحاول أن تفضفض الثوب حتى لا يلتصق بالبطن [فيبان المستور] ولكن الالم كمدية حادة لا يرحم يزداد حدة ، لا تتمالك نفسها تصرخ ! على أثر الصرخة تهرول إليها الأم وعندما التصق الثوب بالبطن أنكشف المستور . وكذئبة جريحة عوت الأم عواء مفجعاً تردد صداه في أرجاء الدار . في المساء كانت أشباح تتقافز حول صفية المكومة في إحدى الزوايا يأتيها صوت احتكاك السكين وحده بالحجر وصوت الحشرجة الصادرة من حنجرة الأب ، كانت تتصنت لعلها تلتقط ذبذبات حزينة مشفقة من تلك الحشرجة ، ولكن وجه الأب المحتقن بالعنف والالم ، ويده وهي تسن السكين أفقدتها الأمل .. وانكمشت على نفسها تريد التلاشي انتابها دوار وغثيان فأخذت تنظر ببلاهة حينا الأم المطأطئة رأسها ودموعها تنهمر وحينا إلى الأب ذي الوجه المقنع وهويسن السكين بالحجر ، كان البوم ينعق في الخارج واشباح الليل تتقافز حولها واقترب شبح كبير من صفية أخذ يقترب وأمسك بشعرها المظفر ودوت صرخة ، وجز الرأس ، وبقبق وفار الدم الحار على الأرض وسقط رأس الضحية ذو الضفيرتين ، والعينان ما زالتا مفتوحتين يرتسم داخلهما سؤال مكبوت . وعوت الذئبة الجريحة عواء مفجوعا تردد صداه في دروب الأحزان ) . تنبئ طبيعة الحدث الشرسة عن تماه حاد بين البطلة والرمز (الدجاجة) إذ يتضافر أكثر من عنصر قصصي كي يومئ ذلك التحول إلى طبيعة نمو الحدث وخاتمته وأسلوب تعامل الشخصيات مع بطلة القصة وقد أضاء هذا التأويل البؤرة الصوتية المتخلقة من تكرار (صوت احتكاك السكين وحده) + (يده تسن السكين)+ (وهو يسن السكين)كما إنها أشارت إلى الكينونة البليدة لصفية وهي كينونة منعتها من ان تنمو فظلت شخصية نمطية مسطحة على – حد تعبير أ . ام . فورستر - . ويؤكد (البوم ) – بوصفه رمزا يحفز المرجعية الشعبية على استذكار دلالته المثخنة بالشؤم والخراب – اجواء الموت ، ويصوغ النص من (الذئبة)إضاءة نغمية تكمن في تكرار (وكذئبة جريحة عوت الأم عواء مفجعا تردد صداه في إرجاء البيت) و (عوت الذئبة الجريحة عواء مفجوعا تردد صداه في دروب الاحزان) وهي تخلق منهما عضادة دلالية مثخنة بالفتك تؤطر حدث الفجيعة والتغييب وهي عتمة تجتاح الامكنة الاليفة (الدار)قبيل وقوع الحدث وتغمر بدفقها الشرس الامكنة المفتوحة (دروب) بعيد وقوع الحدث .. وينبري رمزان متصادمان يفضحان الغريزة البليدة العمياء لبطل هذه القصة وبطلتها إذ يرد عبر وعي الساردة : (ثبتت صفية الجرة المملوءة بالماء على رأسها وأخذت تسير متعبة عبر الدروب المتعرجة للبلدة عندما سمعت نهيق حمار قادم ابتعدت قليلا عن الطريق لتتحاشاه ، وعندما رفعت عينيها بحياء مرتسم ، فجأة فتحتهما عن آخرهما .كان القادم من المدينة يمتطي الحمار ويقف وجها لوجه أمامها وتسمرت مكانها وعقدت الدهشة أقدامها … وأخذت تحدق به وهو يحملق بها ويمتلئ أنفه برائحة الأرض ، ورائحة الطين المبلول لتوه على أثر المطر …والتحمت رغبتان ، فنهق الحمار وحملت الريح أصوات هديل الحمام عبرالدروب المتعرجة للبلدة ) يبوح التفاوت الصوتي بين (النهيق / الهديل) بالفارق الشاسع بين سذاجة البطلة وبشاعة كينونة بطل القصة وبلادته وتكون (الدروب المتعرجة للبلدة) معادلاً سرديا لطبيعة الحدث الذي جمع بين البطلين وافضى إلى انتهاك المحظور .. وتغوص قصة ((ترتد ترتد الجدران ))(8)إلى أعمق طبقات اللاشعورية لتلتقط رموزها المشفرة والتي تذكرنا انزياحاتها بمقولة كارل غوستاف يونج : ((ان الرمز يتضمن في نفسه عناصر شعورية واخرى لا شعورية . ولا يستطيع خلق رمز جديد سوى الذهن المرهف المرتقي الذي لا ترضيه الرموز التقليدية الموجودة فعلا . وكما ان الرمز يصدر عن اسمى مرتبة ذهنية ، كذلك يلزمه ان يصدر عن اكثر حركات النفس بدائية ليمس في الإنسانية وترا مشتركا))(9) إذ يرد : ((في البدء فاجأها البياض . كاد يخترق محاجرها مع الوقت أحست أنه بدأ يستوطن وئيدا مساحات من مآقيها. هذا البياض الفج – تذكرت مشهدا من فيلم رأت فيه عيني سمكة تبيض مآقيها .. أرعبها المشهد حينها .. وبكآبة وملل تمسح – كما اعتادت – بنظرتها الجدران البيضاء ، وتتوقف عند باب الغرفة لتتأمل الممر ، فتتخاله جسد دودة يمثل الباب فمها ، ونهاية الممر مؤخرتها التي تقذف بها إلى المطبخ في رحلاتها المتكررة عبره طوال اليوم . تتناهى إليها اصوات الجلبة في الخارج تتعالى .. يشدها الفضول الذي تنام .تنهض إلى النافذة الموجودة والمسدلة بستارة قاتمة ، مرسوم فوقها أشكال لحيوانات بحرية ، وجرة العفريت الاسطورية وموج صاخب .. كل ذلك يفترش قماشها الغليظ ليحجب خلفها سماء تتمحور بشجرة تفتق السنتها الخضراء خيوط الفضاء تشظي الستارة قليلا ، وتوارب الزجاج مطلة ببصرها إلى الخارج مستطلعة مصدر الضجيج .. قطة تجري هلعة .. ومجموعة من الصبية تهرول خلفها .. تقذفها بالحجارة ، وهي تموء بحزن .. تمسح دمعتين تقاطرتا على صفحة وجهها وتفاجأ باصابعها ضاغطة على لحم النافذة المواربة كمن تهم بتمزيقها شقفا .. وما تلبث نظراتها ترتد إلى الجدران البيضاء)) . تنشطر حركة الترميز إلى بؤرتين متوازيتين فأما الاولى فانها تتموقع داخل المكان المغلق والاخرى تنبثق في حركة ارتدادية من المكان المفتوح المتمحور حول المكان المغلق ، فاما الرموز المتشظية من اسقاطات السرد والمتشكلة تحت سجف المكان المغلق فان السمكة الميتة هي أول ما يواجهنا ونحن نتأمل تداعي الذاكرة المثخن بالاختناق حد الموت . ويبوح الرمز الثاني (جرة العفريت الاسطورية وموج صاخب) بحركة متصادمة بين (الانا)المحشورة داخل اقفاص الانغلاق والمترقبة للحظة الانعتاق وبين الآخر المتسلط ب (صخبه) وعبثيته . وقد منحت ذاكرة لفظة (العفريت)هذه الكينونة المرهفة وافق انتظارها المعتم مدا زمنيا يجثم باسترخاء على الراهن المعاش ويستلب الآتي .ويفلح المخيال التشبيهي في تشكيل بنية رمزية ثالثة تصير – ومن خلال فعل التشبيه المنعكس على وعي بطلة القصة (تخاله)- جسد الدودة قسيما تشبيهيا للمكان المغلق الخانق (الممر)ليتخلق من توحد طرفي التشبيه (الباب فمها ، ونهاية الممر مؤخرتها التي تقذف بها إلى المطبخ في رحلاتها المتكررة عبره طوال اليوم )نسيجا كنائيا يلوح بدوامة الاستلاب والالغاء وتكون النافذة هي المكان الذي يعطف حركة الترميز باتجاه الخارج كما أن استدعائها بوصفها عتبة دلالية يؤشر توق (الانا)إلى الانفتاح على العالم والرغبة في الانفلات من اسار الانغلاق والوحشة (توارب الزجاج مطلة ببصرها إلى الخارج ) وهي رغبة عكسها ببراعة الرمز المكتنز بالخصب والعطاء وهو يشع من المقول السردي (سماء تتمحور بشجرة تفتق السنتها الخضراء خيوط الفضاء ) إلا أن هذا الرمز يتصادم دلاليا مع ما تحمله (القطة) الجريحة التي (تموء بحزن)من افق معتم يبرز مكابدات الذات المستسلمة الضعيفة ازاء قهر الآخر المتسلط العابث والمرموز له ب (مجموعة من الصبية تهرول خلفها .. تقذفها بالحجارة ). ويصل التماهي بين بطلة القصة والرمز ذروته حين تعلن الساردة (تمسح دمعتين تقاطرتا على صفحة وجهها ).. لقد استثمر المخيال السردي تقنيات فن الرسم وتشكيلاته اللونية ، فكثف اللون الابيض الرامز للموت ليتشكل منه مهاد لوني يتحرك حركة دائرية تتحاور فيها استهلالة القصة (البياض ، البياض ، تبيض ، الجدران البيضاء)بخاتمتها (الجدران البيضاء) ليتبلور وثاقا يؤطر المتن الحكائي ويحول دون انعتاق (الانا)من كفنها البليد المتفتق من عنونة القصة المتخمة بالحركة الشرسة الموقعة للبياض . ويؤثث الرمز قصة (واحدان)(10)بوصفه افضل صيغة ممكنة للتعبير عن تفاصيل سردية متباينة إذ نقرأ : (( كان البحر هادئا ينضد حكمته ويفتل مسبحة المد والجزر ، .. كان البحر يصنع بحره في اللحظة التي ينسحب الموج ليعبئ اصداف اللؤلؤ عندما دلفا الشاطئ الصخري أقتعدا صخرة مرتفعة كعرش . البحر عند حافة هواجسهما والحلم .. وهما يبحران هو في قمر عينيها المخملي العذب ، هاتين العينين اللتين أنقذتاه ، اصطادتاه من لجة ارتباكه ومتاهة حلمه وروتين غده ، أنقذتاه من وساوس اللاشيئات التي التبسته … ، وهي تبحر في دوائر عينيه القزحية بلون البحر ، لون الشفق الآتي ، لون الليل الذي ما لبث ينصب خيامه ، والتماعة الفجر ، تبحر في عينيه اللتين هدأتا طمأنينتها الخابة وفتقتا حجب ضوء مختبئ في فيافي الروح سحبت نظراتها إلى البحر حيث الشفق يحط رحالة والبحر يلتهم رغيف الشمس بحنو لا يمنع طفو بقعة دم تلون سطحه . هكذا خيل إليها ونقلته إليه فابتسم مشاكساً إياها ، ثم لعينيها الصاخبتين أردف : أرى أن الشمس زفت إلى البحر وهذه دماء البكارة . طأطأت هي رأسها خجلاً وحكمة . هبت نسائم باردة . اقتربا من بعضهما ، دثرها بذراعيه . ارتجفت قليلاً ثم تكورت ملتصقة بالدفء الإنساني المنبعث من جسده وهو يضغطها إليه في تماه … عندما حاصرتهما همهمات حاقدة وهتافات مرتابة ثم تبينا وجوها مقنعة بالفضيحة يعلوها مقت أزلي تتقدم نحوهما .. حينها تزلزل العرش الذي يقتعدانه كصخرة ، وهويا يعتليان الفضاء الممتد بين عرشهما والبحر الخافق بحنو ، تعلقاً بعضهما ، مخلفين وراءهما همهمات حقد ، وما يشبه الفضيحة ، وأقنعة خاوية . بعد أيام أنبأت شرطة خفر السواحل عن اكتشافها لجثة واحدين ملتصقة ))