في مقدمته الشهيرة اعتنى ابن خلدون بمقارنة طبائع الحيوانات بطبائع البشر، وكانت له مقاربات تجمع بين اللطف والإشارات الدالة، فقد عقد مقارنة بين سكان المدن الحضرية المترفة كحيوانات تلك المدن، معتبراً أن القاسم المشترك بينهما يتلخّص في الدعة والاسترخاء والخمول والحياة العامرة بالملذات، وأيضاً محدودية الذكاء والتخلّي عن صفات الشجاعة والنباهة. مقابل ذلك عقد ابن خلدون مقارنة بين إنسان البراري والصحارى، وحيوانات تلك البراري، مشيراً إلى أن الكائنات المختلفة في البراري المقفرة الشاسعة تتسم بالذكاء الحاد والتوازن الجسدي والروح المتوثبة والشجاعة، والقدرة على خوض المغامرات بأنواعها، وفي تلك المقاربات الخلدونية العديد من المعاني المهمة ومن أبرزها كيف أن الدعة والاسترخاء يجعلان الفرد منا قنوعاً ومؤثراً السلامة على الحروب بأنواعها الساخنة والباردة، وبالمقابل كيف يكون الفقر وقلة الموارد سبباً في الاندفاع والإقدام حد المغامرة غير محسوبة العواقب. يستدعي ابن خلدون قوانين الطبيعة ليُسقطها على البشر والكائنات الأخرى، لكنه فيما يفعل ذلك يقدم رؤية جبرية تتعلق بمصائر الدول ومصائرها الحتمية، ناظراً إلى انهيار الممالك العظيمة وتناوب الأدوار في التاريخ. اجتهد كثير من علماء التاريخ والاجتماع في هذا الباب، فمنهم من قال بنظرية التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة تاريخياً والتي توصل إلى مجتمع فاضل، كما فعل كارل ماركس، ومنهم من اعتبر الجماهير الغفيرة حاملة للبناء والتدمير، كما ذهب إلى ذلك جوستاف لوبون، وهكذا تفاوتت تقديرات العلماء لأمر التاريخ والدول، لكن ابن خلدون ظل قابعاً في مكانته المركزية كصاحب نظرية مبكرة في العلاقة بين الدولة والتراكيب الاجتماعية. [email protected]