- د. عمر عبد العزيز .. جمع المفكر العربي ابن خلدون بين رؤيته التاريخية الثاقبة واستيعابه للعوامل المجتمعية المؤثرة في التطور، وبهذا القدر من الاستيعاب المعرفي الابستيمولوجي لتراكيب المجتمعات البشرية اعتبره علماء التاريخ والاجتماعيات أحد أبرز السوسيولوجيين «علماء الاجتماع» العرب، فقد كتب ابن خلدون سلسلة «تاريخ ابن خلدون» التي تضمنت ما جاء على لسان الرواة وفي المتون القديمة من تسجيل حي لتواريخ الأمم والممالك، لكنه اشتهر بمقدمة تاريخه التي اشتهرت أكثر من موسوعة تاريخ ابن خلدون المتضمنة عشرات المجلدات، فمقدمة ابن خلدون كانت بمثابة مشروع استقراء لعلم التشكيلات السياسية الموصولة بالتراكيب الاجتماعية والاقتصادية حتى انه يمكننا القول: إن رؤية المفكر اليساري المادي «كارل ماركس» الخاصة بعلم الاقتصاديات الاجتماعية كانت على تماس ضمني بنظرية ابن خلدون وحتى نمسك بوجه التفاصل والتواصل بين ابن خلدون وماركس لا بأس من الوقوف على رؤية ابن خلدون التي وردت في مقدمته : فقد اعتمد ابن خلدون في قراءته للمجتمع على ثنائية «الحضر» و«البوادي»، بمعنى آخر : «ثنائية المدينة والريف» معتبراً ان سكان المدن يتّسمون بالاسترخاء والنعومة ومحدودية الذكاء والنزعة السلمية المهادنة وبالمقابل يتّسم سكان البادية أو الريف بالعصبية وحدة الذكاء والنزعة التدميرية والفتوة ،ولقد ضرب ابن خلدون مثلاً على ذلك بالحيوانات التي تعيش في المدن ذات الاجسام الممتلئة والقبول بتربية أصحاب الحظائر بمقابل حيوانات البادية الأكثر قوة ورشاقة والأبعد عن الاستئناس بمجاورة الآدميين. استتباعاً لذلك، اشار ابن خلدون إلى ان الدولة لها عمر معلوم، وشبه أعمار الدول بأعمار الافراد من الطفولة إلى المراهقة فالفتوة والحكمة ثم الانهيار، واعتبر ان كل دولة تبدأ من نقطة جنينية بسيطة، ثم تخوض غمار تطور تراجيدي، ثم تقوى حتى تصل إلى الذروة .. أو أخيراً .. تنهار بصورة جبرية لأن للدولة عمراً، واعتبر ابن خلدون ان العصبيات تدمر الدول ،تحاصرها، وتنشر فيها المفاسد، ثم تنخر في هيكلها حتى التدمير، وبعد ذلك تأتي هذه العصبيات على نفسها فتدمر نفسها بنفسها. إذن نقطة الانطلاق الرئيسة في نظرية «أعمار الدول لابن خلدون» تتكئ على ثنائية «الريف والحضر» وتبني على ذلك كامل الاستنتاجات المسطورة في مقدمته والتي اعتبرها ابن خلدون بمثابة المفتاح للولوج إلى تاريخه وتفسير حوادث وشواهد ذلك التاريخ. [email protected]