حفظ التراث الاسلامي ماذا لو اندلعت حرب نووية؟ ماذا لو ضرب الأرض مذنب شارد بقوة مائة مليون قنبلة هيدروجينية كما حدث مع مذنب شوميكر الذي ضرب المشتري، فيضربنا كما في فيلم إيمباكت؟ ماذا لو انفجر بركان كراكاتاو في إندونيسيا؛ فقلب مناخ الأرض إلى ما يشبه الشتاء النووي، كما حدث قبل 75 ألف سنة فلم يبق إلا أعداد بسيطة من بني آدم؟ كما أظهرت ذلك تحليلات الميتوكوندريا في قلب الخلية لبصمات الأنواع الإنسانية، أننا جميعا خرجنا من عنق الزجاجة من عائلات قليلة؛ فكلنا لآدم وآدم من تراب، وأننا جميعا متشابهون في تركيب الحامض النووي، وأدوات النطق والكلام، ومراكز التفكير ومفاصل القواعد اللغوية والقاموس اللفظي في منطقتي بروكا وفيرنيكه في الدماغ؟ وأن كل اللغات الستة آلاف على وجه الأرض تعمل بنفس الآلية من المبتدأ والخبر والفعل والصفة وحروف الجر والتعريف وحروف العلة، كما ثبت ذلك في علم الألسنيات والبرمجة اللغوية العصبية؟ كل هذه الأسئلة ابتداء حركت أذهان العلماء الجرمان أن يتداركوا الموقف كما صرح بذلك مارتن لوخترهاندت (Martin Luchterhandt) مدير مشروع فرايبورج في قلب الجبال، قريبا من الغابة السوداء في منطقة (شاوانسلاند Shauinsland) على علو 1220 متراً من مرتفعات (أوبرريد Oberried).. حيث تمتد أنفاق هائلة في طول الجبال وعرضها على امتداد مائة كيلومتر وعلى 22 مستوى !! فكرة المشروع باختصار هي النجاة بالثقافة الإنسانية إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان مالها؟ فالأرض ليست مكانا آمناً بحال، لا لنا كأفراد فالموت يتخطفنا، ولا للأمم فلكل أمة أجل إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون؟ ولا للجنس البشري، فالساعة أدهى و أمرّ!! إذا لا وزر كما نرى؟ ولكن أين طوق النجاة في الظلمات؟ وكيف تحفظ الثقافة؟ وأين؟ ومتى؟ وبأي مادة تصمد على امتداد القرون، فالسي دي (CD) تتوقف عن العمل مع كل رض وخدش، على الأقل لو قامت القيامة النووية وبقيت بقية من الجنس البشري؟ يريدون متابعة الحياة وبناء الحضارة من جديد ؟ من هذا التصور واليقظة الألمانية لعاديات الأيام، وخراب بلادهم بلقعاً يبابا في حرب الثلاثين سنة والكبرى والثانية، وهلاك الحرث والنسل، وضياع المخطوطات والوثائق، كما تدمرنا نحن في كارثة ذئاب آسيا من المغول الذين حول ماء دجلة أسود من مداد الكتب التي ألقيت في شطها الحزين، جعلهم ينطلقون في المشروع قبل 35 سنة منذ أيام الحرب الباردة، وهكذا جاؤوا إلى هذه المنطقة الجيدة المهيأة منذ أيام النازيين بأنفاق لانهاية لها فقالوا هنا مربط الخيل؟ وهكذا ومن خلال 15 مركز تصوير في ألمانيا، وبميزانية ضخمة من ملايين اليورو، تم ملء 1466 برميلاً بالميكروفيلم، كل برميل يزن 122 كيلوغراماً، يتسع ل 16 فيلماً، كل فيم طوله 1520 مترا، وكل بكرة فيلم تتسع ل (50000) خمسين ألف لقطة، وبذلك فقد حوى كل برميل (800000) ثمانمائة ألف لقطة موثقة؟! أي أن المشروع وصل حتى اليوم إلى مليار و172 مليوناً و500 ألف لقطة لتوثيق وحفظ أبدع إنجازات الإنسان وتاريخه الفعلي بدون تشويه وتزوير. بالطبع نحمد الله أن مثل هذه المشاريع ليست ملفقة ولا مكذوبة، كما هو حال بلاد العروبة أوطاني، وهكذا يؤكد العلم أنه يتطور بالصدق وليس الافتراء على الله الكذب، ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعي العلم؟ وهي شهادة على القرآن أن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال... وبالطبع قد يسأل المرء وماذا التقطوا ووضعوا في هذه الأفلام؟ بالطبع لم تكن أقوال الرفيق القائد الملهم، ولا معلقات الملك المعصوم، ولا قصائد الأمير المنزه عن الخطأ المتعالي فوق النقد، ملعقته من ذهب وعطاسه شفاء من كل داء؟ ولا كذب السلالات العائلية السلطانية، وافتراء التاريخ وتزويره عن أم المعارك والمهالك.. لقد تركز البحث العلمي على تصوير وثائق التاريخ، وما حوى من مستندات ومتحولات الحرب والسلم، والإنجازات الإنسانية والإبداعات الثقافية بما فيها فلسفة نيتشه، وكل ما يتصل بنسب إلى العلم والأدب والتاريخ والفلسفة وحكايات الاقتصاد في النهاية يمكن أن نطرح التصور المقابل: أليس من المفيد أن يوضع التاريخ العربي الفعلي في مشروع يحفظ وجهنا الأسود، من ملاحم الجنجويد، وسواطير الجزائر، ومصيبة الحوثيين ودجاجلة عسير، ومذابح الشيعة والسنة عند دجلة، وقتال اللبنانيين في الحرب الأهلية، وتدمير حماة بيد السفاح، ومشانق العجل الناصري، والكتاب الأخضر الموبوء، وحدود الجزائر والمغاربة المغلقة بأشد من سد ذي القرنين بزبر الحديد أفرغ عليه قطرا؟ أظن أنه من المفيد أن تكتب وتحفظ في برميل من مشروع فرايبورج بلون الزفت والقار، مكتوب عليه التاريخ العربي الأسود، وتدفع قيمة حفظه دول البترول حتى عام 3504م، حين تفتح علب موصدة لمشاهير الفكر والتاريخ كما فعلوا في احتفال هائل عام 2004 م؟؟