قلنا بالأمس إن رواية ماركيز بعنوان «الحب في زمن الكوليرا» تكشف لنا ذلك البعد الغرائبي في العلاقات الزوجية، وكيف أنهما يكتشفان بعد حين أن حبهما العارم ينطوي على شكل من أشكال «العبودية المتبادلة» بحسب توصيف ماركيز !!، وتطرقنا إلى الخلافات الأزلية بينهما حول الطبائع، فالزوجة تحب تربية الحيوانات المنزلية، والزوج لا يحب ذلك، وهكذا، وفي عصر يوم رمادي جاءت اللحظة المثالية للزوج الرافض لانتشار الحيوانات في منزله، فقد أُصيب الكلب بسُعار، فما كان منه إلا أن ينتهزها فرصة سانحة ويعلنها صريحة مدوية : لا مكان في هذا البيت لكائن غير ناطق! ، وكانت الإشارة واضحة : لا مكان في هذا البيت إلا للإنسان الناطق، وهكذا تمكن من إبادة الحيوانات وإخلاء البيت من كل حياة غير آدمية، مُعتقداً أنه كسب المعركة. لم تفقد زوجته الحيلة والفتيلة، فبعد يومين فقط جاءت ببغاء أمازونية خضراء جميلة، وعندما رمقها الزوج صاح غاضباً.. قالت له: لكنه كائن ناطق! فردد الببغاء العبارة ذاتها، وأُسقط في يد الزوج. أوردت هذه القصة للإشارة لسلسلة من الوقائع التي كانت فيها الزوجة هي الرابحة النهائية، فالمنطق العقلي والشكلي للزوج الدكتور العالم لم يتمكن من هزيمة روح الأُنثى الأكثر براعة واعتداداً بالثبات والدأب على مألوف الحال، وهكذا سارت متوالية أيامهما السعيدة لتؤكد دوماً أن للمرأة أدوات لا يمتلكها الرجل، وأن الرجل مهما تمتّع بالمعرفة وقوة الشكيمة لا يمكنه ملاحقة التفاصيل الصغيرة، والصبرعلى مقارعة الحجة بالحجة، ومُغالبة ذاكرة الأُنثى التي تتسع لأدق التفاصيل وتُحاصر الزمان والمكان. منح الله المرأة هذه الطاقة لتكون الوجه المُكمل للرجل، ولولا هذه الطاقة لما كانت حاضناً للبيت، ولما تمتّعت بالقدرة على التحمل، وملاحقة الأطفال في التربية والتعليم، وترميم خطايا الأيام وتداعياتها الواسعة.