لم يؤرخ الروائي الكولومبي «جابرييل جارسيا ماركيز” لزمن عجاف في بلاده وهو يكتب روايته بعنوان “ الحب في زمن الكوليرا» فقط، بل أرّخ ضمناً لعوالم الزوجة القادرة على أن تباشر واجباتها بروحية العطاء والدأب حد التقاطع السلبي مع زوجها عندما يكون هذا التقاطع السلبي ضرورياً، فالرواية الطويلة تتحدث عن قصة عاشقين توجا حبهما المديد بزواج فريد، وكان الزوج رجل علم ودراسات .. أكاديمياً .. طبيباً مرموقاً، واسم يُشار له بالبنان، لكنه كان مصاباً بداء الوسواس تجاه الحيوانات .. ربما لدراساته العلمية التي جعلته على يقين بأن تلك الأنواع من الحيوانات ناقلة مثالية للأمراض، لكنه لم يتمكن من كبح مزاج زوجته التي تربّت في بيئة ريفية، وتعايشت مع الكائنات إلى درجة التماهي مع عوالمها، فالحياة بالنسبة لها قرينة الصخب ومواء القطط وزغاريد الطيور ونباح الكلاب، وهكذا أصبحت تملك بيتاً وحديقة منزلية تعج بأنواع الكائنات الحية بالرغم من تحفظات زوجها الدكتور وتنبيهاته الغيبية المُبالغ فيها عن الأمراض المحتملة. جاء اليوم المثالي لزوجها وأصيب الكلب بسُعار، فما كان منه إلا أن ينتهزها فرصة سانحة ويعلنها صريحة مدوية : لا مكان في هذا البيت لكائن غير ناطق! ، وكانت الاشارة واضحة : لا مكان في هذا البيت إلا للإنسان الناطق، وبهذا أمكنه التخلص من الحيوانات وإخلاء البيت من كل حياة غيرآدمية مُعتقداً أنه كسب المعركة. لم تفقد زوجته الحيلة والفتيلة، فبعد يومين فقط جاءت ببغاء امازونية خضراء جميلة، وعندما رمقها الزوج غاضباً قالت له : لكنه كائن ناطق!، فردد البغاء العبارة ذاتها وأُسقط في يد الزوج . أوردت هذه القصة للإشارة لسلسلة من الوقائع التي كانت فيها الزوجة هي الرابحة النهائية، فالمنطق العقلي والشكلي للدكتورالعالم لم يتمكن من هزيمة روح الأُنثى الأكثر براعة واعتداداً بالثبات والدأب على مألوف الحال، وهكذا سارت متوالية ايامهما السعيدة لتؤكد دوماً أن للمرأة أدوات لا يمتلكها الرجل، وأن الرجل مهما تمتّع بالمعرفة وقوة الشكيمة لا يمكنه ملاحقة التفاصيل الصغيرة، والصبرعلى مقارعة الحجة بالحجة، ومُغالبة ذاكرة الأُنثى التي تتسع لأدق التفاصيل وتُحاصر الزمان والمكان . منح الله المرأة هذه الطاقة لتكون الوجه المُكمل للرجل، ولولا هذه الطاقة لما كانت حاضناً للبيت، ولما تمتّعت بالقدرة على التحمل، وملاحقة الاطفال في التربية والتعليم، وترميم خطايا الأيام وتداعياتها الواسعة . [email protected]