لم يعد التصحر مقتصراً على ما بعد الشواطئ البحرية ولو بأمتار قليلة وإن كانت توجد مناطق ومنها الخوخة والزهاري ووادي الملك واللحية وكلها في البحر الأحمر تتلاطم أمواج البحر الخفيفة في جذوع النخيل وتظهر المياه العذبة تحت التربة الرملية بذراع أو أقل كما رأينا منذ فترة. فقد كانت المخا واحدة من المدن المندثرة بعد أن كانت عامرة كمركز تجاري اشتهرت أكثر بفضل البن، وسماها الأوروبيون "مدينة القهوة". بعد احتلال عدن سحب الكابتن هينس صلاحيتها وشهرتها بفضل الميناء الحديث الذي أغرى التجار المرتبطين بالمخا منذ عقود كثيرة وتراجعوا بأموالهم وبقي القليل من المعالم الأثرية التي تذكّرنا بأيام عز مدينة المخا من إهمال طال عمره. فالتصحر بدأ يحل محل الاخضرار في مناطق كثيرة عانت من تقطيع الأشجار لغرض التحطيب وإهمال الأراضي الزراعية لحساب شجرة القات أو نتيجة للنزاعات الوراثية والزحف العمراني الرهيب الذي ربط بين القرى والمدن أو التهمها تحت سمع وبصر الجهات التي بدت وكأنها مكتوفة اليدين بحيث غاب التخطيط الحضري المدروس عنها، أي عن الأحياء الجديدة بعد الثورة مما شكل صعوبة فنية ومالية وقفت دون مد تلك الأحياء بالخدمات لغياب التخطيط وللسباق المحموم على حجز الأراضي والاستيلاء عليها. وفوق ذلك منع مد شبكات الطرق والمجاري والمياه والهاتف وحتى الكهرباء، وأغلقت منافذ إلى وسط الأحياء بسبب استيلاء الأقوياء على الممرات بين المساكن كل بحسب قوته ونفوذه. لقد تحول الاهتمام نحو شجرة القات في الوقت الذي تؤكد الجهات المعنية أن إنتاج اليمن من المحاصيل الغذائية (الحبوب بأنواعها) قد انخفض في معدل العام الماضي؛ مما يعني أننا بدلاً من مضاعفة الإنتاج نتسبب في التخلف عن ركب الدول التي اهتمت بالزراعة في السنوات الأخيرة، وكثير منها عربية مجاورة أو نظراً لوجود مساحات واسعة وخصبة ومياه متوفرة في نهر النيل والبحيرات التي ينبع منها الماء بطول مسافة لا تقل عن ستة آلاف كيلومتر. كنت ممن شهد أول محاولة لإقامة حزام أخضر حول مدينة المخا من أشجار النخيل والأشجار الأخرى دائمة الخضرة والمقاومة للملوحة والجفاف والرطوبة؛ وكان محافظ المحافظة حينها يولي هذا المشروع ومشروع تشجير طريق تعز - المطار وصولاً إلى مدينة القاعدة كل الاهتمام. وشهد المسئولون بنجاح التشجير في تعز، وعرفوا أن السر وراء ذلك هو المتابعة وإنصاف القائمين على تنميته ورعايته بالمقررات الشهرية والحوافز والمكافأة. ولو أن الأمور سارت كما يرام في أنحاء اليمن لكانت اليوم أبعد من أن ينالها التصحر في مناطق وأجزاء على طول الساحل أو في المناطق الداخلية كما هو الحال اليوم.