الأرض الزراعية هي المقصودة بالعنوان، ولا تذهبوا بعيداً، فمعنى الاختفاء هنا هو أن أرضنا باتت تحت سيطرة الرمال والقات، والتهيئة مستمرة لإعداد ما بقي منها وهو الأجود والأثمن بالإهمال لنجدها بعد سنوات قليلة قد وصلها القات والرمال. فمسيرة القات ظافرة وموجات الرمال تتحدث عن نفسها فوق إسفلت الطرقات في مداخل المدن الساحلية وتتسبب في بعض الأحيان بحوادث مرورية مأساوية كالتي تذهب فيها أسر بكاملها إلى اللحد ونهيل عليها التراب ولا تكاد تعرف ملامح بعض الضحايا لقوة الاصطدام، أو الانقلاب أو السقوط. ومرة أخرى ربما تكون بالنسبة لي هي المائة أنوه فيها إلى توقف مشاريع تشجير المدن ومداخلها بالأشجار المقاومة للعطش والملوحة كالحديدة والمخا وما بينهما من مدن يقال إنها كانت مزدهرة بالزراعة والأحراش، كما هي مفعمة بالحركة الأدبية والثقافية وعلوم الدين والشريعة وقراءة وحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ولا أزعم أنني الوحيد الذي ابتلي بالهم الزراعي والبيئي، فالكتاب الصحفيون والشعراء والأعيان والمثقفون في أنحاء اليمن وفي تلك المناطق العامرة بالمبدعين العمالقة الذين توارثوا معارفهم عن آبائهم وأجدادهم وتفوقوا بالفعل على الكثير من الذين درسوا في الخارج وحصلوا على الشهادات بدرجات الماجستير والدكتوراه، فكانوا خير وأأمن خزينة لعدة قرون حفظت لنا من الكتب والمراجع وأسماء الشخصيات التاريخية ومؤلفاتها ما يعجز عن حصرها وقراءتها الباحثون الجدد الذين تكلموا كثيراً ولم يفعلوا إلا القليل لحفظها وترميمها وحراستها أو الاستفادة منها. ولا أظن أن هناك بارقة أمل قادمة في المستقبل القريب في انبعاث الضمير والإحساس لدى من يدعون حبهم للزراعة وتشكيل منظمات ولجان أو أحياء ما كان قد ظهر منها اسم، فذكرونا بقول الشاعر: صلى وصام لأمر كان يطلبه لما قضي الأمر لا صلى ولا صاما وذلك إشارة إلى التبرعات التي جمعوها من الناس وخاصة الموظفين الذين تحمّسوا للأمر، شاكرين مسبقاً لكل من عرف نفسه بأنه عضو وناشط في هذه الجمعية أو تلك أو المنظمة الاجتماعية الفلانية، فلم يتردد معظم الناس من إعطاء ما تيسر وأكثر مما هو مطلوب منه، على أمل إعادة الاخضرار ووقف زحف الرمال والتصحر وزراعة القات في أي مكان ومنطقة والاكتفاء بما قد حصل من تدمير الأراضي الزراعية. لنبدأ من جديد في بناء حضارة يمنية خضراء سعيدة طالما تغنينا بها وأيدينا ممسكة بمعاول هدمها بهمة عالية لا يبذل ربعها في إعادة إعمار المدرجات وتوسيع زراعة الحبوب والخضروات والحفاظ على المياه بعدم الإسراف والتبذير الذي لا يصدقه عاقل في العالم، بما في ذلك الشعوب التي توجد بها أنهار وينابيع وعيون تفيض بما هو أكثر من حاجة المستهلكين.