تتعامل الآداب السردية مع الواقع حصراً، بما في ذلك الآداب الميثولوجية كملحمة هوميروس الشهيرة ، فالأصل فيما كتبه السرديون نثراً وشعراً يتّصل بصفة مؤكدة مع الواقع وحقائقه المادية والمفاهيمية، لهذا انطلقت رؤيا هوميروس الشعرية الملحمية من استقراء للآداب الدينية والأساطير الإغريقية والشواهد الأرضية، بحثاً عن تصوير إبداعي ملحمي لتلك الشواهد والمشاهد مما هو معروف في ملحمته . على ذات المنوال سنجد تلك الكتابات التي ستعيد نشر سير عنترة بن شداد، وأبي زيد الهلالي، ورأس الغول، وغريب وعجيب وسهيم الليل، وسيف بن ذي يزن، وغيرها من نصوص سردية حكائية ملحمية كانت تستقيم على استعادة المشهد المكاني والزماني الموصول بالفكرة وفنيات الكتابة في تلك الأزمنة . إن مراجعة عابرة لتلك النصوص التراثية التاريخية ترينا جبرية انتماء تلك النصوص للواقع، وهو أمر مشهود في الأوصاف والقيم والاعتقادات وطرائق التعبير، مما ينفتح على أبواب واسعة للإشارات . خذ على سبيل المثال وصف «شيبوب» في ملحمة «عنترة بن شداد العبسي» بوصفه عدّاءً صحراوياً لا يُشق له غُبار، فقد ورد في تلك الملحمة أن شيبوباً كان لايُرى طيفه وهو يعدو في الصحراء، وكان الغبار المتطاير من حوله الشاهد الوحيد على انتقاله عدواً، وكان يًسابق الخيل فيغلبه !!. ذات الصور الفنية الغرائبية سنراها في وصف المعارك، والإشارة لقوة الأبطال الميامين ممن كانوا يشقون الخصم نصفين بضربة سيف، وكانوا يرمون الخصم في الهواء فيتلقونه بحد الحسام وهو هابط كطائر سقط من السماء ميتاً !!، وعلى هذا المنوال سنلحظ في تلك الآداب السردية العربية أجواء للمعقول إدراكياً وقد تحوّل إلى لا معقول مُجسّدْ ، الأمر الذي يضع السحرية الواقعية التاريخية العربية في مكان مرصود من تواريخ السرد الإنساني .