يمثل جابرييل جارسيا ماركيز مدرسة سردية كاملة وهو بقدر موهبته الفريدة يمتلك ثقافة موسوعية وسيرة وجودية ومهنية جاور فيها ومارس انساقاً من فنون الكتابة، واستطاع باقتدار أن يوظفها توظيفاً حميداً لصالح أعماله السردية التي تراوحت بين قصص معبرة وروايات طويلة وحتى أدب المذكرات والنصوص الصحفية أو اللمَّاحة. وسنختار هنا نماذج من إسهامات ماركيز واضعين بعين الاعتبار التنوع في البناء الروائي.. والتنوع في كيفية وزوايا التداعي السردي.. ومدى مُجاورة تلك النماذج لفنون وآداب متعددة، حتى يتسنى لنا ملاحظة الجديد الإبداعي في سؤال الواقعية السحرية.. ولن نتوقف ملياً أمام سلسلة واسعة من نصوصه السردية القصصية، بل سنركز على أعماله الروائية الأساسية مع بعض إشارات إلى نصوصه القصيرة، وسنبدأ برائعته التي أومأت لمشروع روائي كبير قدّم جديداً مثيراً وبلغة رشيقة. عرض تجربة الواقعة السحرية تنطوي تضميناً على فضاءات التلاقح الثقافي العربي الاسبانيولي من جهة، كما تنطوي على التلاقح مع الثقافة الانسانية بعامة، ولعل تركيزنا على تجربة ماركيز بالذات تعني فيما تعني ذلك التميز الذي جعل من ماركيز اسماً استثنائياً في سماء الرواية الانسانية التي جاءت بمنطق الواقعية السحرية الأقرب الى معقول اللامعقول ، وهذا النوع من الوجود الحياتي يتوفر بسخاء عظيم في عوالم العرب الغرائبية وغير البعيدة عن عوالم «لاتين امريكا» المجبولة بالصراعات الدموية ومافيات الفساد والغنى الفاجر والفقر الكافر . لهذه الأسباب مجتمعة سنتوقف قليلاً أمام بضع أعمال للكاتب ليتسنى لنا ملاحظ المشتركات والاختلافات بين كتاباته ونماذج السرد العربي .