اخترتُ الحديث عن نموذج أمريكا اللاتينية في البُعد السردي لأنه نموذج كان له أثر بالغ على فنيات السرد التي سادت المنطقة العربية خلال عقدين من الزمن.. غير أن تمثُّل هذه الفنيات عربياً بحاجة إلى مراجعة وتقييم.. تلك المراجعة والتقييم لا يمكننا تلمس معالمها وآفاقها إلا إذا بسطنا الحديث عن الآداب الروائية في أمريكا اللاتينية مع ملاحظة البُعد الغرائبي الذي مثّل الروائي جابرييل جارسيا ماركيز نموذجه الأكثر سطوعاً وحضوراً، وقبل الاسترسال في تناول تجربة ماركيز أود الإشارة إلى بعض المسائل التي تشكل مقومات لمعنى الاختيار ومنها مثالاً لا حصراً. الأدب المكتوب باللغة الأسبانية في أمريكا اللاتينية يتصل بالثقافة الأسبانية العالمية، وهي ثقافة ذات صلة أكيدة بالثقافة العربية الإسلامية استناداً إلى ملحمة الأندلس التي استمرت قروناً عديدة. الأدب المكتوب بالأسبانية في أمريكا اللاتينية يتواشج مع الثقافات الدينية والحياتية ذات الصلة بتاريخ العرب ومثالها (المرقوم في ألواح الغيب، وكذا ألف ليلة وليلة).. لكن تيار الواقعية السحرية الذي مثله بامتياز «جابرييل جارسيا ماركيز» لم يقف عند تخوم تلك المقدمات بل قدم نموذجاً سردياً تفاعلياً يصل الأنواع الأدبية ببعضها بعضاً، فيما يقوم بتجريب فريد في هذا المنحى دونما قلق أو تردد، وسنأتي على تبيان هذه الأبعاد لاحقاً. خلال الفترة منذ ظهور وتبلور هذا التيار السردي العالمي كان للعرب حضور موازٍ لكنه حضور يتطلب تفكيكاً منهجياً حتى يتسنَّى لنا معرفة شكل التماهي الفني الأدبي مع تيار الواقعية السحرية، وهل كان تماهياً إيجابياً أم سلبياً؟ إن عرض تجربة ماركيز بطريقة مكثَّفة ستسمح لنا بقراءة افتراضية موازية أترك تداعياتها وأبعادها للحضور المشارك والمستمع.. ذلك أن عرض نموذج ماركيز ينطوي ضمناً على جملة من الأسئلة المفاهيمية والإبداعية.. وهي بجملتها أسئلة كاشفة للنموذج العربي الذي نتوخّى قراءته عبر عدسات شفافة تضع هذا النموذج في موازاة تيار الواقعية السحرية الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.. وبالاستتباع سنعرف موقعنا من الحراك الإنساني السردي وسنرى إن كنا شركاء أصليين في صنع الجديد أم لا.