قلنا بالأمس إن أدب الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية يتّصل بعوالم العرب الثقافية من خلال غرائبية الوجود المادي المتصل بتركيبة اوليغاركية سلطانية تاريخية عربية ، وعسكرية دوغمائة لاتينياً، ولكن أيضاً من خلال العلاقة بين العربية التاريخية والاسبانيولية التاريخية .. الأمر الذي انعكس حوضراً في الآداب السمطورة باللغة الإسبانية العالمية. لقد صرح الروائي جابرييل جارسيا ماركيز غير مرة بأن ألف ليلة وليلة شكلت نبعاً من منابع إدراكه المعرفي الجمالي لفن «الحكي» ، بل إنه استخدم فكرة التدوير في ملحمته الروائية (مائة عام من العزلة) حيث انتهت الرواية كما بدأت، وإلى ذلك انطلق ماركيز في تحديد التميمة الضابطة للرواية من خلال (لوح مسطور) كان مودعاً لدى الغجري القادم من اللا مكان (ملقيادس لبي) والذي تذكرنا تسميته ب (ملكي صادق) بحسب الآداب التوراتية، و(الملك القدوس) بحسب بعض الآداب الحنيفية الإبراهيمية، مما يؤكد تأثر الروائي البالغ بالآداب المسطورة باللغة الإسبانية ذات الوشيجة العميقة بالثقافة العربية الإسلامية التي شكلت الأندلس محطة كبيرة فيها.. وفيما يتعلق بتأثر الروائيين العرب بتيار الواقعية السحرية فإنني أزعم بأنه تأثر ملحوظ وواسع امتد في كل الأقاليم السردية العربية، بل إن نفراً من الأسماء السردية الروائية التي يشار إليها بالبنان تداعت مع الموجة تداعياً أكروباتياً، أي محاكاتياً، ولا أستطيع هنا أن أبسط الحديث عن أسماء بذاتها .. لا أسمي أحداً، بل استأنس بالجواب الفلسفي الذي قدمه الشيخ محيي الدين بن عربي عندما سأله العلامة ابن رشد عن (الشريعة والحقيقة) وقال له:"هل يمكن للشريعة أن تلتقي مع الحقيقة؟ فرد ابن عربي: "نعم، ولا..". بعدها كتب ابن رشد رائعته الفكرية بعنوان (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال)، وفي هذا القول لطيفة من لطائف الإشارات ، فما قد يبدو بعيداً عن اللقاء بالآخر يلتقي به حتماً عند نقطة معينة، ومن هنا يمكن أن نقرأ السرد العربي بعدسات الآداب الروائية الإنسانية أياً كانت .