من خلال تتبع ملحمة جابرييل جارسيا ماركيز السردية يمكننا استجلاء تعاميم جمالية لم يقدمها ماركيز من خلال التنظير، بل من خلال أعماله الروائية والقصصية.. وفي تقديري أن هذه التعاميم تعني السارد العربي بصورة كبيرة، وخاصة تلك الأقلام التي تسارعت لهاثاً وهي تبحث عن كتابات موازية لأدب الواقعية السحرية فنجحت حيناً وأخفقت أحايين أخرى، لذلك لا بأس من اجتراح هذه الفرضيات التي أزعم أن ماركيز قدمها دون أن يقصد، ومنها مثالاً لا حصراً: النص السردي لا يستقيم خارج الثقافة العالمة المسحوبة بموهبة ومعرفة بفنون الكتابة وأبعادها. النص السردي فنُّ للفنون الممزوجة.. له أن ينثر الشعر ويُشعر النثر.. أن يموسق النص ويُدوزن الصورة.. وأن يجد ذاته وهي خارج خصائصه أيضاً!! الدهشة.. والصدمة.. والتعبيرية التمازجية مع الحال والمآل.. قيم دالة في تضاد التعبير السردي الجيد. النص السردي كلام مُتأدب ولكنه مثل ذلك الكلام الذي قال عنه الأعرابي (رأيت قوماً يتكلمون بكلام من كلامنا، وليس من كلامنا!!) وبهذا المعنى يكون فضاء الاتصال غير اللفظي بمثابة اللغة الموازية لمفردات القاموس وتمايلات الكتابة. السارد ليس كاتباً فحسب بل سينمائي وتشكيلي وشاعر وموسيقي، بل حرفي تفصيلي يتذوق الفنون.. وليس مطلوباً منه أن يُبدع خارج أدواته.. ولكن لا يستطيع أن يتجاهل أهمية الإقامة الدائمة في ظلال الفنون وتخاطراتها ونواميسها. وبعد، هل نلمس مثل هذه الأبعاد في سرديات ما بعد الرواية الكلاسيكية العربية؟