من خلال إطلالاتنا العابرة على مثابة الكولومبي الواقعي السحري “جابرييل جارسيا ماركيز” نصل إلى استنتاجات غاية في الأهمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أن الروائي يتعمَّد الإخلال بالبنية السردية في كل مرة، ويتجشَّم عناء البحث عن بنية جديدة في كل عمل جديد، تأكيداً لرحابة الاختيار المقرون بالموهبة والاشتغال الحثيث على النص. أن الروائي يغوص في الوقائع بحثاً عن الفرادة والطرافة والغرابة، مع إقامة مؤكدة في الثقافة العالمة بالأدب الإنساني وتضاريسه الوعرة. أن الروائي يجيد الحفاظ على المسافة الإبداعية بين الثقافة العالمة، والخيار الفردي، كما يجيد الإمساك بالموضوع ورصده من مسافة تجعل النص حياً بذاته، وتجعل السارد العليم مُتباعداً عن مقتضيات التداعي الذهني للنص المكتوب، وبهذا المعنى يتخلَّى ماركيز إجرائياً عن التماهي السيكولوجي مع نصه، لأنه لا يريد تقديم نفسه إلا بوصفه سارداً لوقائع حقيقية وافتراضية .. معقولة ولا معقولة .. حاضرة وغائبة أيضاً !.. أن الروائي لا يتورع عن توظيف عناصر فنية متعددة وقادمة من مختلف الأنماط الكتابية والبصرية، وهو بهذا المعنى يؤكد على واحدية وتعدد النص في آن واحد. مقطع القول: أن تجربة جابرييل جارسيا ماركيز تستحق استقراءً مُعمقاً وعميقاً، فبقدر صدورها عن موهبة فذة، تشق طريقها الناصع من خلال التمرغ في غياهب المعاني الصادرة عن المعرفة والحياة معاً، وبقدر رشاقتها الأُسلوبية تصفع قناعاتنا الثابتة، واعتقادنا بأن مجريات الحياة تسير وفق نماذجنا الذهنية القاصرة عن مجاراة الوجود ونواميسه الدامغة. هذه التجربة بالذات تتوفر مقدماتها الحياتية الواقعية في تضاريس بلادنا السلوكية والثقافية والمجتمعية، التي لا يمكن وصفها بالغرائبية فقط، بل بمجاورة اللا معقول.. حد الأنين. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك