أخطر أبواب الحلول لأية مشكلة كانت هو باب الحل الوحيد في ظل إمكانية وجود حلول أخرى، وخطورة الخيار الوحيد تكمن في كونه ليس كذلك.. وعندما يتمسك أي طرف من الأطراف بموقفه خياراً وحيداً أو حلاً وحيداً وغير قابل للمراجعة والتصحيح في ظل مشكلة تحتمل أكثر من خيار وأكثر من حل، وعندما يكون الحديث عن حل واحد؛ فذلك معناه بصريح العبارة فتح باب الصراع، والصراع حينها سيكون صراع الحلول قبل أن يكون صراع المصير حين تتحول القضية موضع الخلاف أو الاختلاف إلى قضية حياة أو موت. أعظم حكمة يمكن أن تقال في قضية من هذا النوع هي ألا يغلق أحد الأطراف كل الأبواب ويبقي على باب واحد كما تصور له نفسه، فيرى أو يظن إثماً أنه باب النجاة، على أن الواقع يؤكد أنه باب الهلاك الأكيد. وإن حاول شياطين الإنس والجن أن يزيّنوا للقائل أو لأحد الأطراف أنهم على الحق المبين، وزينوا لهم عدالة وهمية لقضية لم تكن في الأساس موضع خلاف وإنما جرى توجيه الأحداث لتأخذ مسلكاً تحول إلى مشكلة، وتواصلت بعد ذلك جهود الشياطين في الداخل والخارج لإيصالها أو لتحويلها إلى أزمة؛ ثم قالوا إن باباً واحداً هو الحل وهو ليس كذلك على الإطلاق. إن خيار الحل الوحيد الذي لا يقبل المراجعة والبحث عن بدائل أكثر واقعية ومنطقية سوف يفتح أبواباً للشر يدركها أصحاب الحلول الواحدة في قضايا لا تقبل ذلك. ومن المؤكد أن أفضل نصيحة نسديها لمن يهمّه أن يفهم ويستطيع أن يفهم هي أن القوالب الجامدة سوف تنقلب وبالاً على أصحابها، وأن الإصرار الأعمى سوف تكون نتائجه وخيمة. وأن التمسك بالخيار البعيد هو إعلان لحالة صراع لا علاقة لها بأسباب المشكلة الحقيقية قبل أن تتحول إلى مشكلة عائمة في الهواء حورتها شياطين الإنس من أصحاب المصالح ونأت بها عن المعقول والمنطقي الذي يمكن أن يجد له قبولاً وأنصاراً دون أن تنفتح أبواب العنف والصراع الذي لا شك سوف تكون مبررات أطراف الحلول المنطقية أقوى، وسوف يكون لها أنصارها الذين هم على استعداد للتضحية من أجلها. أسوأ ما في الأمر هو أن يكتشف أصحاب الخيار الوحيد والحل الأوحد بعد حين أنهم كانوا على ضلال، وكثيراً ما يحدث ذلك، فالأفضل إذاً للجميع أن يراجعوا حساباتهم قبل أن يقع الخطأ العظيم، وقبل أن تُدفع الأثمان الباهظة. ليس لدينا في هذا البلد من مشكلات لا تقبل الحلول؛ لكن المشكلة الكبرى والتي يُراد لها أن تتحول إلى أكبر هي مشكلة الحل الوحيد القاتل والذي لا يُجمع عليه الناس. بل ذهبت فئة صغيرة بعيداً عن العقل والمنطق، وأغمضت عيونها عن الحقائق وأصمَت آذانها، فلا تسمع غير أصواتها وأصوات الشياطين الذين يزخرفون الموت والخراب والدمار ويطرحون من باب الحل الأخير الذي لا بديل عنه وهو حل سوف يسقط لا محالة ليعود الجميع إلى رشدهم ليبحثوا عن صدق الحلول لصدق المشكلات. وعدا ذلك فإن الأمر لا يعدو سوى رغبة في خلق روح الصراع ولأهداف معروفة، فهل يراجع أولئك أنفسهم وهم في متسع من الوقت؛ وهو الأفضل للجميع قبل الندم؟!.